strong> نور خالد
السيدة لا تزال في كامل ألقها. تغني متى طاب لها أن تغني، وتقول متى ألحّ القول. فيروز هادئة، رصينة حدّ الحكمة، تراعي فروق التوقيت، بين جيلين، فتغني الجاز لواحد وتغرف، من «السطيحات الحمرا»، أهازيج الحنين لآخر. عوّدتنا صمتها، فأحببناه، قبل أن نقدّره ونتعايش معه. نحن نتلقف كل ما يصدر عن السيدة، بقلبنا أولاً.
هذا تقديم عاطفي، ربما، لكنه مناسب لتحديد الحالة التي تحكم أحاسيسنا، كعشاق صوت فيروز، ومستمعين ومشاهدين، في كل مرة تقرر فيها مؤسسة إعلامية، أو قناة أن تتناول هذه الحالة. أول من أمس، قدمت قناة «الجزيرة» وثائقياً عن فيروز (اعداد بسام القادري)، لكنه جاء ناقصاً. كان أشبه بحلقة من برنامج «مراسلون»، حيث يتّحد صحافيو القناة من أماكن تغطيتهم، لتقديم مادة مشتركة عن قضية محورية. كان علينا أن نتابع ارتحال طائر في غمام زهري، لحظة غروب الشمس، فيما صبية في لباسها الرياضي تركض على الرمال، وصوت فيروز في الخلفية يغني «نسم علينا الهوا». بدا المشهد أقرب الى تسجيلات بعض المحطات في فقراتها الصباحية، إذ يتم تركيب أغاني السيدة على صور شلالات وغابات وأسماك ملوّنة في قعر المحيطات. في لقطة أخرى، أطفال من الصومال! نعم، استحضرت «الجزيرة» مجاعات الصومال، ودماء أطفال العراق، ودموع الأمهات، لكي تظهر «البعد الانساني العالمي» لصوت فيروز.
يبدأ الشريط من بيت البسطة حيث ولدت «نهاد ابنة العامل وديع حداد»، لينتقل في غضون ثوان الى صورتها على أدراج بعلبك، على خلفية أغنية «عتاب». لا سياق زمني يحكم العمل، ولا تسلسل يبدأ من «البسطة» لينتهي عند «بعلبك». ثم يبدأ من بعلبك ليعود بنا، على طريقة الفلاش باك، الى «البسطة»... كنّا أمام مجموعة مشاهد، أكثرها مكرر عرضه، وبعضها قد يكون نادراً، تم تلصيقها واحدة الى جانب أخرى، وتوليف أغانٍ في خلفيتها، مع صور طبيعية.
في مكان آخر، يظهر الارتباك حين ينتقل صوت المعلّق من أحاديث ضيوف الاستوديو (سليم الحص، طلال حيدر، وعميدة المعهد المسرحي السوري حنان قصاب حسن)، الى مقابلات الشارع في تونس وبيروت ودمشق والقاهرة ومدن المهجر. بعد أن يتحدث الضيوف عن جمالية صوت فيروز، يقول الصوت: «ولكن، قد يصفونها بهذه الصفات لأنهم أصدقاء، ارتبطوا معها في عمل مشترك. لكن، تعالوا لنستمع الى صوت الشارع العادي»! لوهلة ستظن أن الرئيس الحص شارك الشاعر حيدر في كتابة «وحدن» أو أن فيروز تتردد على الاجتماعات التي يعقدها رئيس الوزراء السابق، أو سبق أن وقفت على خشبة معهد الفنون المسرحية في دمشق تحت إدارة السيدة قصاب... لا شكّ أن النيات الطيبة تقف وحدها وراء عرض الفيلم على ملايين المشاهدين. إلا أن تقديمه كان يحتاج إلى دقّة أكبر في الإعداد، وتركيز أكثر على نواحيه الجمالية. يذكر أن الشريط أعيد عرضه عند الثامنة من مساء أمس.