تقول الأسطورة إن «تريانا» كانت قصراً يسكنه الصعاليك أو جن الحقول، وكان القصر المحاذي للنهر معزولاً عن العالم أو بالتحديد عن بقية مدينة اشبيليا. لكن تريانا لم تعد قصراً فقط، الكل يعرفها أنها أحد أحياء اشبيليا، حي للفقراء يربطه جسر صغير بالمدينة، يضجّ بالحياة ويقطن فيه عدد كبير جداً من الفنانين من الرسامين والنحاتين والراقصين والكتّاب والشعراء وغيرهم. صحيفة «لافانغرديا» الاسبانية ـــ والتي تصدر في برشلونة ـــ لفتت إلى أن نسبة المثقفين القاطنين في هذا الحي هي الأعلى في العالم، إذا أخذنا في الحسبان عددهم بالنسبة لمساحة الحي.قبل أربعين عاماً كان معظم سكان تريانا من العمال الفقراء، وكان بعضهم بعمل في مصانع الفحم والمفروشات والزجاج والصابون وغيرها. هكذا كانوا قبل عقود، لكن الفقر أنهك بعضهم فركبوا البحر متوجهين إلى القارة الأميركية، وقد اختاروا العيش في ضواح فقيرة لمدن أميركا اللاتينية. رغم مرور السنين، لا يزال أبناء هذا الحي يحنّون إليه، وللمهاجرين منه موعد سنوي، حيث يلتقون في أحد أسابيع شهر نيسان. وفي اليوم الأول من لقائهم يطلقون مهرجانهم، يتوجهون إلى ساحة ألتوزانو، يتلاعبون بالساعة المعلقة على نصب، وينطلقون في مهرجانهم من الساحة التي تعد المدخل الرئيسي إلى «تريانا».
حي المثقفين والفنانين والفقراء هو «هبة اشبيليا»، وهو مهد رقصة الفلامنكو، لا يفرق بين هامشي ومثقف صاحب شهرة. على ناصية الشارع أو في مقاهي الحي التي تطغى عليها الزخرفة الأندلسية، يجلس أسطورة رقصة الفلامنكو لويس كاباليرو (84 عاماً)، يحتسي الجعة، ويغني للمارة، ويحتفي بالمكان: هنا «تريانا»، هنا يعيش الفنانون الفوضويون يعزفون على الغيتار ويغنون البلوز.