strong>نور خالد
عيونهم حمراء، وجوههم باردة كالموت. يسكنون
عالماً سفلياً مظلماً. لا، ليسوا عبدة شيطان... ولا مصاصي دماء. إنّهم راقصو الفيديو كليب، «عبيد» ينتظرون أن يعتقهم «البطل»، ويسجدون لسيّد الأغنية المصوّرة!

يكفي أن تشير لطيفة بطرف يدها، في كليب «شفتو بعيني» لسعيد الماروق، كي تدبّ الحياة في شرايين الكائنات التي تسكن في عالمها المظلم، فتروح تتحرك وترقص كأنها اشتهت العيش للتو. ذلك الشاب الذي تكسو جفنيه حمرةٌ، يبدو كأنه خلع للتو رداء «مصّاصي الدماء» واستعاد آدميته. يمنح الفيديو الكليب بطلته (أي المغنية) القدرة الخارقة على بعث تلك المخلوقات من جديد. زيارتها عالمهم السفلي... ومجرّد وجودها بينهم يحرّرهم. هل قلنا يحررهم؟ ليس تماماً، فها هم في لقطات أخرى من الكليب «يسجدون» للمغنية. ليست كلمات الأغنية هي التي أثرت فيهم واستلبت قدراتهم، فبدوا كجيش من العبيد يؤدون عرضاً راقصاً أمام السيد. كلمات الأغنية، كما بات دارجاً، لا تمت بصلة الى أجواء تصويرها. ليست الكلمات اذاً، كما أنّ لطيفة لا تحمل قارورة جان باتيست غرونوي ــــ كما في «العطر»، رواية زوسكيند وفيلم تيكوير ــــ قارورة حررت أهالي قرية غراس من غرائزهم المكبوتة، فتبادلوا الحب الجماعي في ساحة البلدة. إنه نوع من اشتهاء المغني النجم لسلطة ما، تتجاوز المدى التقليدي لجمهوره «الأرضي» الى تخيل جمهور «سفلي» يسجد لصوت هذا الفنان. الكليب يجسد حلم المغني بأن يُسمع صوته لـ«الدنيا كلها». وفي الدنيا بشر، لكن أيضاً شياطين وكائنات تسكن «مجاري المياه»، تحت الأرض وتعشّش في جدران رطبةفي مكان شبيه، يختار جاد شويري ساحة تصوير أغنية «وريني» مع ملك ناصر. عالم سفلي آخر، وكائناته تظهر ولاءً كبيراً للمغني عبر تقليد حركاته الراقصة. هنا، للكلمات دلالة، المغني يتحدى حبيبته ويتمادى في دلاله وغنجه، مستفيداً من دعم فريق كامل، يقلد هزة رأسه ذات الطريقة الآلية. لشويري طريقته في التعبير الجسدي، الذي يراوح في مكانة ملتبسة بين الطريقة التي يعبّر بها جسد الذكر عن غوايته للمرأة، وبين تحوّل جسد الذكر ذاته الى غواية موجهة للنساء. إنه عالم مفتوح على الرغبات، وكونه سفلياً يمنحه نوعاً من الشرعية والقبول عند جمهور التلفزيون، اذ هو عالم غريب وبعيد.
في كليب آخر أخرجه الماروق الذي تميّز دائماً بصورة عالية الجودة وضخامة في الإنتاج، تُظهر هيفا وهبي تمرّدها على هذا العالم السفلي ورغبتها في الهروب من عشرات الرجال الذين يلاحقونها، فتصرخ بهم «بدي عيش». يريد هؤلاء أن يجرّوها الى عالمهم الذي يبدو ضيقاً حد الشراسة، ومظلماً كما القبور. لكنها تنتصر عليهم في النهاية، وتصعد سلماً نباتياً إلى مكان مزهر وبهي يشبه الجنة. في قدرتها على الإفلات، تبرهن هيفا عن سلطة خارقة تمتلكها وتخوّلها الاستغناء عن عالمين، أرضي وسفلي، وحصولها على فسحة من الجنة، لا وجود فيها لعدسات المصورين ولا شائعات الصحافة أو حتى لمن يحوك ضدّها مؤامرات. السفليون في هذا الكليب يدعمون، عبر عجزهم عن التغلب على هيفا، مرة أخرى، سلطة المغني، ويكرسون عبوديتهم بوصفهم المهزومين.
علينا أن نحدق الآن إلى كليب «سألوني عينيّ». عاصي الحلاني في مشهدين: أرضي صحراوي، على فرسه الأثير، وسفلي تحتشد فيه ثلة من الرجال والنساء الذين يفردون أذرعتهم ويمدون أكفاً متخشبة، وهم مستلقون على الأرض، في مشهد لا يعبر عن شيء آخر غير... الرغبة. لوهلة، تبدو الصورة صادمة: الرجال والنساء يشتهون الحلاني! إنه التباس آخر، يقطع مشهد فروسية المغني في الصحراء الطريق أمام التمادي في تشكيله. لكن، ماذا يقصد هؤلاء الراقصون؟ غالب الظن أن مخرج الكليب أراد ان يظهر اشتهاءً، ليس بالضرورة التعويل على معناه الغرائزي المادي. إنه نوع من اشتهاء الحياة نفسها، لا جسد الحلاني. الأغنية هي التي تبثّ الحياة، والأكف التي تنازع للوصول الى «شيء ما»، تحاول التقاط رمق هذه الحياة. المغني في الكليب يستمدّ سلطته من الأغنية ذاتها، فيأخذها ويطير بها على أجنحة الفضاء، بفرس يرمح. لا يلتبسنّ علينا الأمر. لا شهوات مكبوتة في أغنية الحلاني، لكنه العالم السفلي المفتوح على كل الاشتهاءات.