الرباط ـــ ياسين عدنان
اختتمت، أول من أمس، فعاليات الدورة الأولى للمهرجان الدولي للموسيقى الإفريقية الذي افتتح الخميس الماضي في مدينة زاكورة، جنوب المغرب. والمهرجان الذي حظي باهتمام وسائل إعلام محلية وأجنبية، قد يمثّل فرصةً للمقارنة بين الأغاني الشبابية في المشرق العربي ونظيرتها في المغرب العربي. إلى جانب الاختلافات الموجودة في الإيقاع واللحن، تبدو كلمات الأغاني المشرقية بسيطة سهلة الحفظ، فيما تبقى كلمات الأغنية المغاربية بالغة التعقيد.
أعمال مطربي الراي مثل شاب خالد وشاب مامي وغيرهما، ونجوم البلوز المغاربي وفناني البوب الشباب في الدار البيضاء وتونس والجزائر، تعكس تعقيد اللهجات المحلية في المغرب العربي. إذ تتميز لهجات المنطقة بنوع من الصعوبة التي يحسّها المشارقة، لأنها (أي اللهجات) ليست عربية خالصة، بقدر ما تُباطن عَرَبيتها الكثير من الأمازيغية والفرنسية، معجماً وتركيباً. في أغنية الراي، وفي أعمال «غناوة ديفيزيون» و«الراب» و«الهيب هوب» وغيرها من التجارب الشابة، تصادفك لغتان أو أكثر في الجملة الواحدة، في تجاور حميمي، صار مألوفاً لدى الجمهور المغاربي. بل إن هذه الظاهرة كانت وراء الإقبال الجماهيري الشديد للشباب على هذه التجارب التي تتحدث لغتهم.
وإذا كانت كلمات الأغاني الشبابية المشرقية تمتدح عادة من عيون العشق والغرام ومناجاة الحبيب أو معاتبته، فإن كلمات أغاني المجموعات الشبابية في المغرب العربي اتخذت وجهة أخرى. هي أحرص من نظيرتها المشرقية على الالتزام بهموم شباب المنطقة، والتعبير عن معاناتهم: البطالة، الهجرة السرية، وضع النساء... وحتى حينما تكون الأغنية عاطفية، فإن كلماتها تختلف مع ذلك عن الكلمات السطحية المكرورة حدَّ الابتذال التي تتكرر في كليبات الفضائيات المشرقية. بل إن الأغاني العاطفية في الأغنية الشبابية المغاربية تعكس تحولات هذه المجتمعات: المرأة التي يخاطبها الشاعر ليست دائماً تلك الحبيبة المعشوقة التي لا تستدعي سوى الغزل، بل هناك علاقات أخرى أكثر التباساً وتوتراً. كاتب الأغنية قد يخاطب مثلاً الفتاة التي تعاشره أو تُساكنه، من دون أن يكون هناك حب بينهما، وإنما طول العشرة هي ما يشدهما إلى بعض.
«الفتك يا حُبِّي والفتك»، ينشد مغني الراي محتفياً بالألفة التي ربطت بينه وبين فتاة الحانة التي يتردد عليها... وفي كلمات أغنية الراي، نجد من العتاب والضجر والخصومة وإعلان الهجران أكثر ما نجد من العشق والتغزل وعبارات الحب والغرام. توتّر مضامين هذه الأغاني تُضاعفه وتكثفه طبيعة اللغة الهجينة، بمعجمها المتنوع المختلط الذي يميز لهجات المغرب العربي. خنساء باطما، صاحبة ألبوم «مليتك مليتك»، وسليلة «الغيوان» المتمردة التي اختارت أن تعزف بقيثارتها خارج خيمة العائلة، كتبت كلمات أغانيها بنفسها ولحّنتها لتقدمها باللهجة المغربية وبالفرنسية والإنكليزية. خنساء لا تتخيل نفسها مثلاً تغني باللغة العربية الفصحى: «سيكون ذلك مضحكاً... سيكون صعباً أن أقدم أغاني شبابية خفيفة بالفصحى. لا تتوقع مني الغناء يوماً بعربية فصحى. أنا لست أم كلثوم. والجيل الجديد بات أكثر انفتاحاً من الأجيال السابقة. شباب اليوم في معظمهم متعددو اللغات. وهذا يعطيني حرية أكبر في التوجه إليهم».