بشير صفير
  • «فنجــان شــاي» funk، و«عــرزال» زكــي ناصيــف، والفولكلــور أيضــاً وأيضــاً
    بعد غياب طال، تعود مكادي نحّاس في أسطوانة مميّزة بعنوان «خلخال». الفنانة الأردنيّة صاحبة الصوت الهادئ والمهذب الذي لا يبالغ في التطريب، تجددت ولم تتغيّر. وها هي تخوض تجربة التأليف والتلحين، و... تجتاز بسهولة امتحان «العمل الثاني»

    يكتسي العمل الثاني لكلّ فنان أهميّة خاصةً غالباً، إذ يمثّل الامتحان الفعلي له... المحك الذي يؤكد نضجه، مفترق الطرق الذي ينقله نهائياً من موقع الهاوي إلى موقع محترف وصاحب مشروع، في نظر الجمهور. تلك هي حال مكادي نحّاس التي أصدرت أسطوانتها الثانية «خلخال» بعد حوالى خمس سنوات من ظهور باكورتها «كان يا ما كان». فالفنانة الأردنية وجدت نفسها في الموقع الحسّاس من مسيرتها... موقع يكلّف التحرر منه غالياً إذ يفرض تحديات وتعقيدات. كان لا بد، في حالة مكادي، من جرأة كبيرة لاتخاذ قرار الانتقال الطوعي إلى خانة العمل الثاني. هذه اللحظة واجهها قبلها فنانون آخرون في العالم العربي، مثل ريما خشيش وزياد الأحمدية وزياد سحاب وغازي عبد الباقي وغيرهم... ولا مفرّ من أن يصل إليها آخرون، عاجلاً أم آجلاً، مثل عازف العود بسام رزق، فريق مرياد، الفنانة السورية لينا شماميان...
    بعد «كان يا ما كان» الأسطوانة الأولى التي أطلقت مكادي نحّاس بقوّة في عالم الأغنية الجادة، انتظر الجمهور طويلاً إطلالتها الجديدة... حتى كاد يقطع الأمل. وساور كثيرين الانطباع بأن ما قامت به مكادي نحّاس، لم يكن أكثر من تجربة عابرة لا تنوي تكرارها. فإذا بالـ«خلخال» يبدّد هواجسنا. أما الفاصل الزمني الطويل نسبياً بين الأسطوانتين، فله ما يبرّره إن أخذنا في الاعتبار الهدوء الحاضر دوماً في شخصية مكادي، كما في صوتها وطريقة أدائها. هدوء لا بد من أن تصل ارتداداته الى وتيرتها في العمل.
    في ألبومها الأول «كان يا ما كان» (2002)، حملت الفنّانة الأردنية الهوية العراقية. اختارت أغانيها من التراث العراقي، وعملت مع موسيقيين عراقيين، وسُجّل الألبوم في استوديو في بغداد قبل احتلالها. واليوم تعود مكادي الى وطنها الأم لتطلق «خلخال»، من خلال سلسلة حفلات خاصة أحيتها في العاصمة الأردنية.
    «خلخال» تجربة متعددة الثنايا. يضم الألبوم أغنيةً لمكادي أبرزت مهاراتها في كتابة النص الشعري وتلحينه. الأغنية بعنوان «رحل» تؤديها منفردة، من دون أي مرافقة متزامنة للآلات الموسيقية، ينفرد خلالها عازف العود عمر عباد في فواصل هادئة بين المساحات الصوتية من دون أن تزدوج معها. وإضافة الى تجربة التأليف والتلحين التي تخوضها مكادي نحّاس للمرّة الأولى، يحضر الفولكلور العربي القديم في ألبوم «خلخال»، كما تحضر الموسيقى اللبنانية عبر أكثر من جيل ومدرسة، إلى جانب أعمال أخرى من توقيع فنانين آخرين لحناً، كلاماً وتوزيعاً موسيقياً.
    في مجال الفولكلور الذي قدمها إلى الجمهور العريض في السنوات الماضية، تغني مكادي «مويل الهوى» (أعادت توزيعها سوسن حبيب وأضافت صوتها بالتوافق مع صوت مكادي الرئيسي) و«عمي يا بو الفانوس» (اللحن الفولكلوري المعروف بـ«هالأسمر اللون»، كتب له الشاعر والروائي ابراهيم نصرالله نصاً جديداً) التي وزعتها الفرقة الموسيقية اللبنانية «فنجان شاي» على إيقاع يحاكي الفانك، فيما تولّت سوسن حبيب توزيع أصوات الكورال المشارك في تأديتها. وتتميّز هذه الأغنية بفاصل ارتجالي طويل، جميل وبعيد عن الادعاء، قام به عازف البيانو في فرقة «فنجان شاي» طارق يمني الذي نجح في إخراج اللحن المألوف من جوّه الأصلي الذي اعتدناه.
    من الفولكلور أيضاً نشير إلى أغنية «ليلة» التي تولّت «فنجان شاي» توزيعها (بأسلوب الفرقة الخاص)، الى جانب سوسن حبيب التي وزعت الأصوات فيها، وأغنية «هيا على هيا»، ولعلها مثّلت نقطة الضعف الأبرز على مستوى التوزيع الموسيقي، في أسطوانة مكادي الجديدة. اذ أتت كتابة أسامة الخطيب لجمل الوتريات على طراز الأغنيات الخليجية السائدة التي تستفز الأذن. ولولا تلك الهفوة لأتت الأسطوانة متجانسة ومتماسكة في جميع مكوّناتها، إن لناحية الألحان أو النصوص المختارة أو الأداء الغنائي الهادئ والمهذب لمكادي التي تبتعد دائماً عن التلوين والتطريب المبالغ فيهما، ولا تقدم في هذا السياق إلا ما قلّ ودل.
    ولا بدّ طبعاً من التوقف، لدى تقديم أسطوانة «خلخال»، عند المساهمة الأساسية (توزيعاً وعزفاً) لفرقة «فنجان شاي» التي تجمع جهود الفنانين الثلاثة: جان مدني (باص كهربائي)، وطارق يمني (بيانو)، وخالد ياسين (إيقاعات)... كما تلفت مكادي في طريقة أدائها لأغنية «العرزال» التي تأتي بمثابة تحية خاصة موجّهة إلى الفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف. الأغنية من كلمات الموسيقي اللبناني الراحل وألحانه، تقدمها المغنية الأردنيّة مكتفية بمرافقة آلة الناي.
    وفي الألبوم أيضاً، نشير إلى أغنية «نتالي»، من كلمات حسام تحسين بك وألحانه وتوزيع «فنجان شاي»، يستهلّها طارق يمين بارتجالات على البيانو، يتبعها توجيه يضع الأغنية في سياقها الإيقاعي الثابت. أما أغنية «مرين» من كلمات عبدو موسى وألحانه، وتوزيع سوسن حبيب، فتوحي للوهلة الأولى الى المستمع كأنها من الفولكلور نصاً ولحناً... ويأتي التوزيع الموسيقي في الاتجاه نفسه فيكاد يؤكد هذه الهوية.
    ويبدو جلياً الاهتمام الذي أولاه القيمون على الأسطوانة بشكلها الخارجي، بدءاً بالغلاف اللافت في بساطته الجذابة (تصميم أحمد الخالدي، الصورة للفنانة عُريب طوقان). لكن تلك العلبة الجميلة والأنيقة، تفتقر للأسف إلى شيء أساسي لجهة متعة المستمع وثقافته... ألا وهو الكتيّب الذي يفترض به أن يحوي النصوص الشعرية... علماً أن الموسيقيين المشاركين، والأشخاص الذين وُجِّه إليهم الشكر، لم ترد أسماؤهم إلا بالأحرف اللاتينية، ما يجعل المستمع العربي عاجزاً عن تبيّن اللفظ الصحيح لبعض الأسماء، في لغتها الأصليّة...

    أسطوانة «خلخال» ـــ مكادي نحّاس
    توزيع OrandeRed music management
    هاتف/ فاكس: 962-6-4623297+
    e-mail:[email protected]