دبي ــ ليلى القاسمي
دبي الأعجوبة الاقتصاديّة الفريدة في دنيا العرب (وغير العرب)، والمدينة الكونيّة التي طلعت على حين غرّة من رمال الصحراء، قد لا تتمتع بتقاليد إعلامية عريقة... لكنّها أطلقت قبل سنوات «منتدى الإعلام العربي» الذي بات يستقطب الصحافة العربية (لنقل المشرقية) برمّتها، بكبيرها وصغيرها، بيمينها ويسارها. ليس هناك إعلامي جدير بهذا الاسم، إلا تجده هذه الأيام في دبي حيث أعلنت بالأمس جوائز المنتدى لهذا العام، وطاولت كل مجالات الصحافة طبعاً، ووصلت إلى حدّ تكريم الزميل الراحل جوزف سماحة الذي كان عضواً في مجلس جائزة الصحافة العربية. كما عرض فيلم وثائقي عن رئيس تحرير جريدة «الأخبار» الراحل، أعدّه الشاذلي الأخضر على عجل، خلال الأيام الماضية في بيروت.
قد لا تكون المقارنة جائزة ـــ لاعتبارات بسيطة! ـــ بجائزة Albert Londres الفرنسية العريقة التي تمنح في بيروت منتصف الشهر المقبل... لكنّ الاحتفاليّة الصاخبة التي يقيمها المنتدى وتصاحبها ضجّة إعلاميّة كبرى، شهدت توزيع جوائز عدّة، ذات قيمة مادية مرتفعة. لم يعد ممكناً لأي صحافي عربي بعد اليوم، الادّعاء أنّه يموت من الجوع... أما حريّة التعبير، وحريّة النقد التي كان يطالب بهما الصحافي نفسه في عصر مضى، فمسألة مؤجّلة على الأرجح. اليوم خمر، وغداً أمر!
جائزة الصحافة العربية أنشأتها حكومة دبي عام 1999، بهدف «تعزيز حضور دبي الإعلامي»، وعهدت إلى «نادي دبي للصحافة» مهمة تأسيسها. هكذا انطلق «منتدى الإعلام العربي» في عام 2001، لاختيار الفائزين بجوائز سنويّة، تبلغ قيمتها الإجمالية 235 ألف دولار. وصار مناسبة لقاء بين الإعلاميين وأصحاب الصحف العربية والأجنبية، تستقطب ندواته أسماء لامعة، وتصاحبه حملة دعائيّة واسعة.
المؤتمر الذي أقيم هذا العام للمناسبة، برعاية نائب رئيس دولة الإمارات، ورئيس وزرائها حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، لم يفته أي من العناوين المطروحة على الساحة العربيّة (باستثناء استقلاليّة الإعلام وحريّة التعبير طبعاً): من تطوير المؤسسات والكفاءات الإعلامية إلى تأثير السياسة الإعلانيّة والتطور التقني... وصولاً إلى ظاهرة إطلاق فضائيات أجنبيّة ناطقة بالعربية. وقد أصدر المنتدى تقريراً بعنوان «نظرة على الإعلام العربي»، يستعرض التوجهات والتطورات والقضايا الرئيسية التي تؤثر في القطاع الإعلامي، مع التركيز بصفة خاصة على وسائل الإعلام المتخصصة في الأخبار والقضايا المعاصرة في المنطقة.
لقب «شخصية العام الإعلامية» خُلع هذا العام على الإعلامي السعودي عثمان العمير. أما الفائزون فهم: محمد مساعد الصالح («القبس» ــ أفضل عمود صحافي)، عبد العزيز الهندي («المجلة» ـــ اقتصاد)، أسامة الشيخ (مدير تحرير «سوبر» ـــ رياضة)، أيمن خليل رمانة («الخليج» ـــ بيئة)، سهير حلمي («الأهرام» ـــ أفضل حوار)، عقل العويط («النهار» ــ ثقافة)، محمود ابراهيم الهمص (AFP ـــ أفضل صورة)، أبو الحجاج بشير («لغة العصر» ـــ تكنولوجيا المعلومات)، غسان الشهابي («الوقت» ـــ سياسة)، عامر الزعبي («أخبار العرب» ـــ أفضل كاريكاتور)، يوسف سعد («الخليج» ـــ تحقيقات)، مي ملحس («الجزيرة»، صحافة الطفل).
منى المرّي، رئيسة «نادي دبي للصحافة»، تريد المؤتمر «منصة تفاعلية تتيح للمشاركين في فعالياته التحاور وتبادل الآراء حول مختلف القضايا، ما قد يسهم في تفعيل دور الإعلام وتطوير آلياته المختلفة». لكن النوايا الطيبة لا تكفي، ولا الصرف بسخاء يكفي. المنتدى المكتظ بالندوات، المنشغل بالطروحات المبدئيّة والأهداف العامة، أقرب إلى مناسبة علاقات عامة، يلتقي خلالها «نجوم الإعلام»، في ناديهم العاجيّ، المنقطع عن معارك الأمة وقضايا المجتمع. ولا بدّ من إشارة أخيرة إلى أن الاهتمام تمحور هذا العام ـــ كالعادة ـــ على الإعلام السياسي، وغاب أي نقاش يتعلّق بالمجتمع والمرأة والأسرة والعلوم والتربية والفن والثقافة والحريات العامة و... الخاصة.