فاطمة داوود
عروض «ربيع ــ صيف 2007» تأخرت في بيروت هذا الموسم، بسبب المرحلة الصعبة التي يعيشها البلد. لكن بعض المصممين أصر على تقديم مجموعته رغم كلّ شيء، متمسكاً بالأمل، ومتفائلاً بالمستقبل. في طليعة هؤلاء نيكولا جبران وندوى الأعور اللذان لفتا الأنظار أخيراً بتصاميم هادئة، وألوان زهور وأقواس قزح... جولة على استعراضين يدعوان إلى الطمأنينة وحب الحياة!





نيكولا جبران: بيروت الورديّة

مطلع الأسبوع الجاري، شهدت قاعة «الإمارات هول» في فندق «الحبتور» في بيروت، حركة غير اعتيادية: قليل من الضجة، كثير من المدعوين، ومشاهير خطفوا أضواء عدسات الكاميرات. أصالة نصري، متأبّطة ذراع زوجها المخرج طارق العريان، شيرين عبد الوهاب، هيفا وهبي، دينا حايك، وعد... أما المناسبة فهي إطلاق نيكولا جبران مجموعة «الحياة ورديّة» لربيع وصيف 2007. أراد المصمم اللبناني أن يبعث عرضه التفاؤل في نفوس الحاضرين، فضجّ المسرح بـ63 تصميماً، عكست ألوان الزهور وقوس القزح على أقمشة «التول» و«الأورغنزا» والحرير و«الموسلين» و«الشيفون» و«الدانتيل». اختار جبران لمجموعته ألوان الـ«باستيل» الزاهية بجميع تدرّجاتها من الزهري والأزرق السماوي إلى الأخضر المائي والبرتقالي الفاتح. وتميّزت فساتينه بخطوط التطريز، وإشعاعات الـ«ستراس شواروفسكي».
بدا التفاوت جليّاً بين تصميم وآخر، فقدّم فساتين أرستقراطية، وعكس الأزياء العصرية في محاولة لإرضاء جميع الأذواق. وما يسجّل نقطة إيجابية لمصلحة جبران هو التناغم الكامل بين التصاميم. إذ لم يشذ أي منها عن خطوط العرض العريضة، حتى فستان الزفاف الوحيد الذي اتخذ شكل الفراشة. هكذا ضمّت المجموعة فساتين قصيرة حتى الركبة وطويلة الى أسفل القدمين، تميزت بفتحات مدوّرة عند الصدر والكتفين والبطن والظهر، واعتماد كثيف للكشكش بدءاً من الخصر وحتى الأسفل. كما حضرت بقوة على خشبة العرض الفساتين الفضفاضة المزيّنة بالورود الربيعية، وهي تلتصق في جزئها العلوي بالجسم ثم تتّسع تحت الصدر لتمنح حرية أكبر في التحرّك، وقد أرفق بعضها بالأحزمة اللمّاعة. وفي حين اتخذت الأكمام الفضفاضة مساحة ضئيلة من العرض، كشف نيكولا عن ذراعي امرأته بأسلوب أنيق، ميّزه أحياناً بوردة من هنا وريش من هناك...
في حديث إلى «الأخبار»، يرفض نيكولا جبران مقارنته بالمصمم العالمي غاليانو عند سؤاله عن تغيير اتجاهاته في التصميم وميله نحو الكلاسيكية، بعد مشوار صاخب مع الأزياء الغريبة. ويوضح: «لا أجد وجهاً للشبه بيني وبين غاليانو مع اعترافي بأنه مصمم مبدع وخلّاق. أجد نفسي قريباً من ألكسندر ماكوين، وإن تغيّرت اتجاهاتي فهذا لأنني أتأثّر بالموضة العالمية، وقد خبرت متطلّبات السوق ورغبات الزبائن... أهتم بخطوط الموضة وتفاصيلها لأطلق اتجاهاً مستقلاً يتوجّه إلى المرأة عموماً»، مشيراً إلى أن حوالى 15% فقط من تصاميمه جاءت استعراضية.
للمرة الأولى، يقدّم جبران فستاناً واحداً للزفاف أرفق بجناحي فراشة ضخمين. وعلى رغم ظهور الفراشة في عروض أخرى، آثر اعتمادها لتقديم رسالة واضحة: «فراشتي جاءت لتبشّرنا بأخبار سارّة تماماً كما كانت في حكايات الأطفال، علّها تحمل الأمل إلى وطننا الحزين حتى يستعيد مكانته عربياً. وأشير إلى أن العرض تضمّن حوالى عشرة فساتين للأعراس، تلوّنت بالزهري والأخضر المائي». لكن ألم ينفّذ تصاميمه لنجمات الفن، بعدما حرصن على حضور عرضه؟ يجيب مبتسماً: «وجودهنّ يمنحني دعماً معنوياً، وخصوصاً أصالة التي أسهمت بتسويق تصاميمي الجريئة سابقاً وأقنعت الكثيرات باختياري. وعلى رغم ذلك أؤكد أنني توجّهت إلى جميع المدعوين، ولاحظت أن الجمهور متعطش لصخب الحياة وحيوية بيروت، لذا أقبل باندفاع شديد على العرض». وماذا عن هيفا؟ يستدرك قائلاً: «هي رمز الأنوثة، وجميع المصمّمين يودّون لو تعرض أعمالهم. خبيرة موضة بامتياز، تتابع صيحات الأزياء، وتختار دائماً ما يناسبها... حسبي أنني صممت لها فساتين كليب «ما تقلش لحدّ»، بينها «ثوب السلام» الأبيض الذي ارتدته ليلة رأس السنة».
تميزت حفلة الأزياء بضخامتها، والعناية بأدقّ تفاصيلها من بطاقات الدعوة إلى ديكور المسرح. وهي أمور يحرص جبران على متابعتها، مشيراً إلى أن العرض كان «الأضخم على الإطلاق خلال مشواري». قد يكون السؤال عن عرضه المقبل مبكراً بعض الشيء، لكنه منطقي مع استهلال التحضيرات لموسمي خريف وشتاء 2008. يفاجئنا بالقول: «رسمتُ ملامح مجموعة الشتاء، وسأتابع أبحاثي حتى أكشف النقاب عن جديدي في شهر تموز (يوليو) المقبل. لكنني لست واثقاً من تقديم العرض في بيروت، فالظروف السياسية لا تبشّر بانفراجات تدعم إصراري على التحدّي (كان أول من قدم عرضاً بعد حرب تموز)».

(تصوير وائل اللادقي)



ندوى الأعور:وهج أيام زمان


قبل عرض نيكولا جبران بأيام، كانت المصممة اللبنانية ندوى الأعور سبقته وقدمت أول عرض أزياء في بيروت خلال هذا الموسم، مستوحية أعمالها من موضة الخمسينيات والستينيات، من دون إطلاق أي عنوان محدد على المجموعة. حضر العرض الذي أقيم في فندق «كورال بيتش»، عدد كبير من أهل المجتمع والصحافة، إضافة إلى الشحرورة صباح التي اختارت في ما بعد ثلاثة فساتين راقية، ارتدتها خلال مشاركتها في لجنة تحكيم حفلة انتخاب ملكة جمال مصر 2007 التي أُقيمت قبل أيام.
تعترف الأعور بتأخير عرض مجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2007 عن الموعد العالمي المحدّد سنوياً في الأسبوع الأول من شباط. وهي تعزو التأخير إلى الظروف السياسية والتغيّرات المتلاحقة التي شهدتها أخيراً الساحة المحلية. وتربط تصاميم المجموعة بحقبة الخمسينيات والستينيات حيث تميّزت الخياطة الراقية بتطاريز الخيوط أكثر من شكّ الخرز. وفيما تترك للجمهور حرية اختيار العنوان المناسب للعرض، تؤكد أنها قدّمت تسعاً وأربعين قطعة (بينها تسعة فساتين أعراس)، طغت عليها ألوان الـ«باستيل» الهادئة، علّها توحي بالطمأنينة. وقد كشفت بمعظمها عن أجزاء من الجسم عبر القصّات على الورك والخصر.
طغت كثرة الأثواب اللمّاعة على العرض، حتى بتنا أمام مجموعة من المجوهرات والكريستال، فما سبب هذا الاتجاه؟ وما مدى مقاربته مع الاتجاه العالمي للموضة؟ تجيب: «حاولت إقامة توازن بين خطوط الموضة العالمية وأفكاري الخاصّة. هذا العرض يترجم رؤيتي تجاه عالم الأزياء الصيفية، لذا سخّرت حبوب الـ«ستراس» والـ«شواروفسكي» والمرايا العاكسة للضوء في خدمة التصميم... العرض ليس للنجمات فحسب، إنما هو مساحة لتقديم أفكاري بحريّة تامة. أما بالنسبة إلى الزبونة، سواء كانت نجمة أو سيدة مجتمع، فلها خيارات مختلفة تماماً. كما أن تعاملي معها مرهون بشخصيتها ومكانتها الاجتماعية وذوقها الخاص».

استخدمت الأعور الكثير من الأقمشة، فتنوّعت بين الـ«شيفون» و«التافتا» و«الشونتون» و«الدانتيل» و«الزبرلين»، مؤكدّة أن كلّ الأقمشة تخضع لمعالجة معينة لمزيد من التفرّد والخصوصية.

وفي رحلتها الى حقبة الخمسينيات، ركّزت في فساتينها على الانحناءات المثيرة والتفاصيل الرقيقة مثل الكشكش والأحجام الفضفاضة الحريرية، والقصّات الكاشفة عن أعلى الكتفين وجوانب الوركين، إضافة إلى الشقّ البارز في الفساتين الطويلة. ولم تغفل الفساتين القصيرة والديناميكية التي تناسب الشابات وسيدات المجتمع الراقي في آن. أما بالنسبة إلى فساتين الأعراس، فكان لكل منها مفهوم مستقل، وترافق معظمها مع تاج وطرحة بيضاء.
أكثر ما يصعب على مصمم الأزياء مواجهته هو النقد. هل تستمع الأعور جيداً إلى الآراء تجاه أعمالها؟ ومن ينتقدها ومن هو مستشارها؟ تردّ: «أصغي جيداً إلى وجهات نظر الآخرين، لكنني لا أستشير أحداً. إنما هو النقد الذاتي الذي يسهم في تطوير عملي وإدراكي التام بأن الذوق اللبناني سيف مسلّط على كل من يعمل في هذا المجال. الأحكام صعبة للغاية، والمنافسة القوية في السوق تشكلّ دافعاً إضافياً لتقديم الأفضل».

عرضت الأعور تسعة فساتين أعراس، وهو يعتبر عدداً كبيراً نسبة الى العرض. لكنها تمتلك وجهة نظر مختلفة: «لا تنسي أنني لم أقدّم عرضاً لموسمي خريف وشتاء 2007، ما يعني غيابي عن صروح الأزياء لعام كامل. لذا ارتأيت التعويض عبر زيادة فساتين الأعراس، لمكانتها المميزة لدى المرأة الشرقية. أضيفي إلى أنني افتتحت قسماً خاصاً بتأجير الفساتين، وهذا يحتّم عليّ تجهيز المحترف بعدد كاف منها». بعيداً من الملابس، لم تنس الأعور الأكسسوارات المبهرة لفساتين السهرة والأعراس، وقد أضفت جوّاً خاصاً، حمل توقيع شقيقتها رانيا الأعور. وهما تعملان بتناغم تام كي تظهر المرأة بإطلالة مميزة.
أخيراً، بدأت المصممة المتأثرة جداً بدار أزياء «كريستيان لاكروا»، التحضير لتنظيم عرض أزياء ضخم لموسمي خريف وشتاء 2008 خلال تموز المقبل.
(تصوير بلال جاويش).