بيار أبي صعب
حين صدر في لندن العدد الأوّل من مجلّة «بانيبال» (فبراير 1989)، لم يكن أحد يتوقع عمراً طويلاً لمنبر أدبي أخذ على عاتقه أن يصالح لغة شكسبير مع الأدب العربي المعاصر. افتتاحيّة مارغريت أوبانك، محررة المجلة وناشرتها، جاءت يومذاك بمثابة بيان يعلن عن ولادة مشروع طويل النفس، يسعى ـــ تحت راية ذاك الملك الأشوري القديم (Assur Panibal، 669 ـــ 627 ق.م.) ـــ إلى بناء جسر حضاري عن طريق الأدب، بين أوروبا وشمال أميركا من جهة، وتلك المنطقة الملعونة من العالم التي لا تصدّر للمواطن العادي في الغرب، سوى صور العنف والتعصّب والمهاجرين السريين.

كان شبح 11 سبتمبر 2001 ما زال بعيداً، ومشروع «الشرق الأوسط الجديد» في ملفات المحافظين الجدد وتقاريرهم السريّة. أما صموئيل شمعون، رفيق درب أوبانك وشريكها في المغامرة، ذاك «المشاغب الثقافي» الحامل جراح العراق وهويته الأشوريّة، فكان يتنقل بين المؤسسات الإعلامية والمناسبات الثقافيّة، مبشّراً بمستقبل زاهر للمشروع الذي سيتولّى تقديم الأدب العربي إلى الغرب.
اليوم بعد كل الانهيارات والتحولات التي شهدتها المنطقة، نلتفت فإذا بالمسيرة تواصلت ونمت بهدوء. لقد ترجمت المجلة من الأسماء والتجارب المتنوّعة، ما يمكن اعتباره كنزاً حقيقياً. وأطلقت قبل عام جائزة خاصة للترجمة الأدبية من العربية إلى الإنكليزية (www.banipaltrust.org.uk). وها هو العدد الجديد من «بانيبال» (28، ربيع 2007) على مكتبنا، يحتوي على ملف خاص بالشعر اللبناني، مهدى إلى روح المبدعة والناشرة مي غصوب.
الملف الشامل يأتي في الذكرى الخمسين لإطلاق مجلّة «شعر»، ليحتفي بالشعر في لبنان، مع تركيز (منطقي) على قصيدة النثر. تطول قائمة الشعراء الذين يقدّمهم الملفّ (ترجمهم خالد مطاوعة، يوسف رخا، أنطون شماس، طارق شريف، سنان أنطون، فاضل العزّاوي، عيسى بلاطه...)، ما يترك للقارئ الغربي الذي تتوجّه إليه المجلّة، مجال تكوين فكرة أولية، دقيقة، عن اللحظة الشعريّة الراهنة في لبنان.