حسين بن حمزة
فاروق يوسف شاعر وناقد تشكيلي عراقي، لكنّ كتابه «لا شيء لا أحد» («دار السويدي للنشر» بالاشتراك مع «المؤسسة العربية للدراسات والنشر») ليس شعراً ولا نقداً تشكيلياً. إنه، مثلما ورد على غلاف الكتاب، «يوميات في الشمال الأوروبي». ترشح الكتاب لجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي التي أسستها «دار السويدي» و«المركز العربي للأدب الجغرافي ـــ ارتياد الآفاق»، وفاز بالجائزة عن فئة «اليوميات».
يقسّم فاروق يوسف كتابه إلى أربعة أقسام: «تأملات» و«أيام رعوية» و«يوميات» و«فردوس المعنى». لكنه في كل هذه التقسيمات لا ينسى أنه شاعر وناقد تشكيلي. الشعر والرسم لا يتسلّلان خفية إلى الكتابة، بل يحتلان كل صفحات الكتاب، سواء المخصصة للتأملات أو اليوميات. وسيجد القارئ قصائد كاملة أيضاً.
تسمية «اليوميات» ما هي إلا عنوان خارجي. إنها، على الأرجح، ذريعة كل هذه الممارسات الشعرية والتشكيلية التي يشغل بها فاروق يوسف في إنجاز كتاب يمتلك حساسية خاصة، مردّها الحمولة التأملية الهائلة لجملة الكاتب، واستثماراته الموفقة في الجغرافيا التي تتجول فيها كتابته. والواقع أنّهما جغرافيتان: الأولى هي الطبيعة، حيث التجوال والمشاهدات والروائح والأصوات تشكل القماشة المفضلة والوحيدة المتوافرة في قرية هلستا همر في الريف السويدي الشاسع والمطمئن. هنا يقضي الكاتب أيامه في ما يسميه «المنفى الإيجابي»، لشدّة ما تمنحه الطبيعة هناك من ترف ورقة وبذخ في العيش. الطبيعة الثانية متوارية تحت الأولى: عمل الحواس في الطبيعة يوقظ آراء الكاتب في الرسم والأدب، فنجد بين سطور اليوميات استحضاراً لمدارس وتيارات، من الانطباعية إلى الدادائية... ونجد أسماء: ايتالو كالفينو، كافافي، لورنس داريل...
رغم حضور ذكريات عراقية وأخرى قادمة من مدن أخرى، فإن الحضور المكثف للطبيعة يجعل من كتابة يوسف يوميات مقتصرة على الطبيعة. يبدأ كل فصل بشيء منها: «الطبيعة أم . ما من أم طاردة، بل إن من يطرق باب الطبيعة يجد نفسه عاجزاً عن إحصاء الأبواب التي تُفتح أمامه: أبواب للحواس وأخرى للخيال». وفي مكان آخر يمزج الكاتب متعة المشاهدة العادية بخبرة النقد: «ما رآه الرسامون الانطباعيون الفرنسيون أواخر القرن التاسع عشر لم يكن سوى حراك الطبيعة. لقد حررهم ذلك الحراك من عادات الرسام المترفعة».
أما الشعر فلا يكتفي فاروق يوسف بما يحضر منه في التأملات، مدفوناً ومخبأً، بل نجد الشعر بلا أقنعة. والواقع أنّ القسم الأخير من كتابه يكاد يكون مجموعة شعرية منفصلة. ويمكن فيه أن نعثر على شعر كثير، مثلما هي الحال في هذا المقطع: «ما هذا الذي محوته وقد علق بأصابعي / أندسُّ بين شقوق يدي وذهب باطن كفي/ أرى العصفور يمحو الورقة/ فيما الورقة تمحو الشجرة/ والشجرة تمحو الحقل/ ما هذا الذي محا أصابعي بعد أن محوته».