«تسرّب» خبر مقتل الشابين المخطوفين زياد قبلان وزياد غندور قبل يوم من العثور على جثتيهما... وتزامن التسريب مع انتشار شائعات عن عمليات انتقامية طاولت شباناً في أحياء مختلفة في بيروت معروفة بحساسياتها الطائفية. ليست هذه الشائعات الأولى من نوعها في لبنان منذ اندلاع الأزمة السياسية بعيد استشهاد الرئيس رفيق الحريري. فقد استمع المواطنون إلى «تحليلات» متعددة، تناولت الطريقة التي نُفِّذت بها جريمة الاغتيال، مروراً بإعلان هوية المرتكبين ودورهم، وصولاً إلى معلومات عن إسقاط النظام السوري في دمشق. وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كانت الشائعات تنتشر عن الأماكن التي ستتعرّض للقصف (دليل على القلق الذي عاشه اللبنانيون)، وعن استشهاد قادة ومسؤولي «حزب الله»، تلتها في مرحلة لاحقة شائعات مذهبية مخيفة مع بدء اعتصام المعارضة في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وأحداث قصقص والجامعة العربية والرمل العالي...
كلّ هذا يحيلنا إلى ما يسمى «الإعلام الرديف»، وتشكل الشائعات أحد أمثلته، وخصوصاً أنها تعدّ من أقدم الوسائل الإعلامية في التاريخ. وللشائعة أكثر من تعريف ووظيفة، مثل أنها «افتراض يرتبط بالأحداث القائمة يراد أن يصبح موضع تصديق العامة» أو أنها «أخبار ملفقة تتولّد من نقاش جماعي هدفها إضفاء معنى على الحقائق التي تفتقر إلى شروحات». وهما تعريفان لا يتعاملان مع الشائعة بوصفها خبراً غير صحيح، إذ إنه قد يكون صحيحاً (أو حتى قابلاً للصحة) كما في الجزء الأول من شائعات مقتل الشابين.
أما «العلاج» الذي قدّمه العلماء للحدّ من انتشار الشائعات، فهو ضرورة زرع الثقة في وسائل الإعلام الرسمية، وضرورة مسارعة القادة إلى بث الرسالة الصحيحة. لكنه علاج يصعب توافره في لبنان، حيث تتوزّع «ثقة» المواطنين في وسائل الإعلام، تبعاً لأهوائهم وميولهم وانتماءاتهم، على مختلف المحطات التي يتقاسمها أهل السياسة في هذا البلد تحديداً... وها نحن في الدائرة المفرغة، لكون هؤلاء السياسيين ــــ للأسف ــــ لا يمكن الركون دوماً إلى «حكمتهم» في السيطرة على... «الشائعات».