رام الله ـــ يوسف الشايب
حين تشاهد الفيلم الوثائقي «أنا في القدس» لمنى جريدي، تتخيل نفسك في شوارع القدس العتيقة... والجديدة أيضاً. إذ تنجح المخرجة الفلسطينية في التقاط أنفاس المُشاهد، أربعين دقيقة، لتعقّب عبد الله، الصبي الغزّي المقيم في رام الله، في رحلته إلى القدس.
يبدأ الفيلم (إنتاج المركز الإعلامي «بال ميديا») الذي يعرض الأسبوع المقبل في قصر رام الله الثقافي، بمشهد يظهر عبد الله (12 عاماً)، وهو يحاول إقناع والدته برحلة الحلم إلى القدس، قبل أن يبلغ السن التي تمنعه فيها سلطات الاحتلال من دخول المدينة. ثم تنتقل بنا الكاميرا إلى ما بعد معبر قلنديان حيث يظهر عشرات الفلسطينيين وهم يصلّون يوم الجمعة خارج أسوار المدينة القديمة، لأنّ قوات الاحتلال حالت دون وصولهم إلى المسجد الأقصى.
يصوّر الفيلم رحلة عبد الله الشاقة إلى القدس، بين الحواجز والقوالب الإسمنتية التي يتألف منها جدار الفصل العنصري وتحاصر القدس. حين يصل الفتى عند حائط البراق، المعروف بحائط المبكى، يشاهد عن كثب أنصار «عطيرت كهونيم» المنظمة اليهودية المتطرفة في القدس، وهم يجمعون التبرعات لإخلاء البلدة القديمة في القدس من العرب. وخلال رحلته، يخوض «بطل» منى جريدي في حوارات مع أطفال وشبان مقدسيين، عبّروا جميعهم عن استغرابهم من نجاح عبد الله الغزّي في بلوغ القدس.
ولعل حديث عبد الله عن العلاقة التي تجمعه بالقدس، عبّرت بشكل جليّ عن هذا الكمّ من «الكوميديا السوداء» التي يختزنها الفيلم. إذ اختزل العلاقة بحادثة شقيقه الذي أصيب برصاص الاحتلال قبل سنوات، فنُقل على أثرها إلى مستشفى في القدس لإتمام علاجه.
يرصد الفيلم بعمق التفاصيل التي يندر أن تلتقطها الكاميرا داخل القدس، وبالتحديد في حارة الشرف التي تعرف بحارة اليهود أو الحيّ اليهودي، مروراً بالسوق القديمة وانتهاءً بالقبّة والأقصى.
يقول جبر خضر، صاحب فكرة الفيلم والمشرف عليه: «اكتسب عبد الله جرأته من جــــــــرأتنا. فنحن أبناء القدس، نتجول فيها رغماً عن كل المعوقات، لشعورنا بأنها لنا... رغم كل شيء».
ويضيف: «يرصد الفيلم جانباً من واقع وتفاصيل الحياة في مدينة القدس، لمناسبة مرور 40 عاماً على احتلالها، من خلال الفتى عبد الله الذي تمكّن من دخول المدينة المحاصرة لأول مرة في حياته». ويتابع: «أشعر بأنّ القدس مغيّبة عن الأجندات الوطنية كلها. لذا أردت أن أقحم الناس في التفاصيل المقدسية من خلال رحلة عبد الله».
منى جريدي تصف الفيلم بـ«قرع جدران الخزان»، في إحالة إلى جملة شهيرة من رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» (1964). وتقول المخرجة المقدسية: «عملنا على أنسنة صورة القدس التي لم تعد، بالنسبة إلى كثير من العرب... وحتى الفلسطينيين، إلا شعاراً. مشروعنا كان تصوير فيلم عن المدينة، يبتعد عن الصراخ والشعارات الرنانة. الفيلم قبل كلّ شيء، رسالة للفلسطينيين عن الفلسطينيين أنفسهم، ولا سيما سكان القدس». وتضيف المخرجة الشابة: «يهمني أن أحكي عن الاحتلال من دون مشاهد عنف أو ألم، ومن دون شعارات وصراخ. الفيلم ينتصر للإنسان في الدرجة الأولى، وقـــــــــد صُوِّر بالكامل عبر طاقم مركز «بال ميديا»، ولم نعتمد فيه على أي لقطة من وكالات الأنباء، كما هي حال العديد من الأفلام التي أُنجزت عن المدينة المقدسة. كما ابتعدنا عن التعليقات التي تبدو في أغلب الأحيان تعليمية، واكتفينا بما تنقله الصورة. أعتقد أنّها أكثر بلاغة من الكلام».
ويأتي فيلم «أنا في القدس» ضمن سلسلة أفلام ينتجها المركز الإعلامي «بال ميديا» الذي سيشارك في مهرجانات عربية ودولية عدّة، منها المهرجان الثالث عشر للإذاعة والتلفزيون في تونس مطلع حزيران (يونيو) المقبل.