الرياض ــ علاء اليوسفي
ثمة شيء يحصل في السعودية... و“معرض الرياض الدولي للكتاب” شاهد على ذلك. الرقابة خفّفت قبضتها، 600 دار نشر مشاركة من 22 دولة عربية، بينها لبنان. نساء بين الزوّار، وروايات مصنّفة “فضائحية” وجدت أخيراً طريقها الى القارئ السعودي

  • محظورات تتهاوى وعبد الرحمن منيف يعود إلى السعوديّة

  • افتُتح “معرض الرياض الدولي الحادي عشر للكتاب” قبل 3 أيّام على تساؤلات وخوف من تكرار أحداث العام الماضي. يومها، افتعل متشددون من التيار السلفي مشادات في الندوات الحوارية، ما أدّى إلى تعطيلها. ويأتي الاهتمام بالمعرض هذا العام مضاعفاً. إذ إنّه سيكون مناسبة لمعرفة ما إذا كان سيواظب على رهانه كتظاهرة ثقافية حقيقية، بعدما فوجئ زوار العام الماضي بمساحة الحرية التي تجلّت في نوعية الكتب المعروضة والعناوين “الخلافية” التي تخلو منها مكتبات الرياض عادة، وهو ما لم تعهده المملكة في أيّ نشاط ثقافي أو معرض قبل العام الماضي.
    يأتي المعرض الذي يستمر عشرة أيام، في ظلّ تغييرات لامست الشكل والمضمون على السواء. إذ ارتأى المنظمون الابتعاد عمّا يمكن أن يستفزّ بعض الجهات كما حدث سابقاً، واقتصار البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض على موضوع الكتاب والتأليف والمؤلفين والنشر. هذه الخطوة اعتبرها بعض المثقفين والنقاد تراجعاً عن مكتسبات العام الماضي، وإيثاراً لمبدأ السلامة تحت عنوان “الابتعاد عن الإثارة” الذي رفعته وزارة الثقافة والشؤون الإعلامية، الجهة التي انتقل إليها تنظيم المعرض بعدما كان موكلاً لوزارة التعليم العالي العام الماضي.
    على رغم ذلك، لم يستبعد وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية عبد العزيز السبيل بروز مشكلات قد يسببها العدد الكبير من الحضور في معرض ضخم. وتوقّع عبد العزيز أن يعترض بعض “المجتهدين” على عناوين الكتب المعروضة وعلى وجود المرأة بين الزوار. وقال في إشارة إلى بعض المتشددين من التيار السلفي “لا نستطيع أن نضمن عدم وجود هؤلاء الأشخاص، فمن حقهم أن ينوجدوا، لكنهم أحياناً قد يجتهدون ويتصرفون من تلقاء أنفسهم”.
    ومنعاً لهذا “الاجتهاد”، حلّت بركة “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” على المعرض، بعد الاتفاق مع وزارة الثقافة على وجود مكتب دائم لها داخل المعرض ووجود منتسبيها بين الأروقة والأجنحة. وهو إجراء جديد يُحسب للمنظمين ويضمن ضبط ردود فعل المتطرّفين. فخلافاً للعام الماضي الذي شهد تقسيماً في مواعيد زيارات المعرض بين أيام للذكور وأيام للإناث، ستُشرّع أيام المعرض هذا العام للجميع من دون أي تمييز جندري، باستثناء خمسة أيام ستقتصر فتراتها المسائية على الرجال، ما لم يحدث مثلاً في مهرجان الجنادرية الذي يعدّ أكبر مهرجان يُنظّم سنوياً برعاية الملك. الندوات أيضاً ستكون مفتوحة للجميع مع وجود عازل يفصل بين الجنسين في القاعة. ويبدو للمراقبين أنّه مقابل كل خطوة نوعية يخطوها المنظّمون، سيضطرّون دائماً إلى مسايرة الجهات المحافظة والسلفية، لتصبح المعادلة على الشكل الآتي: السماح بالاختلاط مقابل السماح بوجود “الهيئة”.
    وجود “الهيئة” في المعرض طرح تساؤلات عدة حول مدى أحقيتها في المصادرة في حال تلقيها شكاوى حول بعض العناوين غير “المناسبة”؟ يؤكد السبيل أنّه لا يحق لأي جهة على الإطلاق منع أي كتاب، باستثناء إدارة المطبوعات التابعة لوزارة الثقافة والإعلام. ويقول: “الهيئة بالنسبة إلينا تقوم بدور اجتماعي تنظيمي في بعض القضايا. كما إنّ دائرة المطبوعات في وزارة الإعلام سيكون لديها مكتب لقطع الطريق أمام أيّ كان من التدخل في منع كتاب أو الاعتراض عليه”.
    معجم الماركسية
    هكذا، يمكن للمتجوّل بين أجنحة المعرض أن يقع على روايات سعودية صدرت أخيراً، وأثارت جدلاً كبيراً لجرأتها في تناول محرّمات في المجتمع السعودي، منها روايات صدرت عن «دار الساقي» هي “بنات الرياض” (دار الساقي) للكاتبة رجاء الصانع التي مُنعت من دخول المعرض السنة الماضية، و“الآخرون” لصبا الحرز، وحتى “اختلاس” لهاني نقشبندي، إضافة الى“حبّ في السعودية” (دار الآداب) لابراهيم بادي. فيما مُنعت رواية “الأوبة” (دار الساقي) لوردة عبد الملك. وربّما كان ليُسمح بها لو لم تثر كل تلك الضجة في لبنان.
    هذه العناوين المتوافرة في أجنحة المعرض، بدت امتداداً لفسحة الحرية التي شهدها المعرض العام الماضي. يومها، لم تكن عناوين الكتب وأسماء المؤلفين الذين احتضنتهم رفوف الأجنحة حدثاً عادياً. كتبٌ من نوع «بعد انتصار الثورة»، «مبادئ حرب الغوار»، «مذكرات الحروب الثورية»، عرضها جناح “دار الفارابي” بأغلفة تطغى عليها صورة غيفارا. «معجم الماركسية النقدي»، و«حول المسألة اليهودية» لكارل ماركس! وأبرزت أجنحة أخرى بعض كتب عبد الرحمن منيف، الكاتب السعودي «الملعون» الذي لطالما كان اسمه ممنوعاً من التداول... إلّا في الخفاء.
    هذه المرونة في الرقابة انسحبت على معرض هذا العام، وأتيح للقارئ السعودي 200 ألف عنوان جديد قدّمتها 600 دار نشر مشاركة من 22 دولة عربية، في حين بلغت دور النشر المشاركة في العام الماضي حوالى 350. وفي حين مُنع 20 كتاباً العام الماضي، أقرّ وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية عبد العزيز السبيل أنّه مُنع عدد محدود من الكتب هذا العام، وتحديداً تلك “التي تتعلّق بقضايا دينية ثابتة».
    هل تؤشّر كل هذه المعطيات إلى نجاح المعرض؟ ربّما.. لكنّ مثقفين سعوديين أعربوا عن تخوفهم من الفشل، بعدما رفضت وزارة المال السعودية تخصيص موازنة مستقلة لدعم تنظيم المعرض، مبررة ذلك “بأن المعرض قادر على تمويل نفسه بنفسه، ولا يحتاج إلى موازنة مستقلة لضمان نجاحه”، علماً بأن وزارة التعليم العالي التي تولّت تنظيم معرض الكتاب العام الماضي تكبّدت خسائر لم تستطع تسديدها حتى اليوم، وقد قدّرها مسؤولون أشرفوا على التنظيم بحوالى مليوني دولار أميركي.

    تفادي السجال
    واللافت هذا العام، خلوّ الندوات من المواضيع السجالية، إذ اقتصرت على مسألة الكتاب نشراً وتوزيعاً، خلافاً لما يحصل في معارض مماثلة في دول عربية أخرى. يقول عبد العزيز السبيل “مع تقديري لكلّ معارض الكتب، لكن متى نهتم بالقضايا المتعلّقة بالكتاب؟”. ويضيف “أعتقد أن الفرصة مؤاتية لطرح هذا الموضوع من خلال المعرض، بدلاً من مناقشة قضايا أخرى يجري التطرق إليها على مدار العام من خلال المؤتمرات والندوات. كما انّه حين نتحدث عن قضايا الكتاب، فإنها لا تنفصل عن قضية الثقافة، ولا يعني هذا الابتعاد عن قضايا محددة كما يحاول بعضهم تفسيره. مثلاً، تتناول إحدى المحاضرات موضوع “الإصدارات الغربية حول الإسلام بعد 11 من سبتمبر”، وهو موضوع حيوي يُتوقع أن يثير مناقشات ورؤى مختلفة”. وسوف يستقبل المعرض أكثر من 60 مثقفاً وأكاديمياً من خارج السعودية. ولا بد من الإشارة إلى عدم وجود أي ندوة ينفرد فيها سعوديون. وفي هذا الإطار، يقول عبد العزيز السبيل «السعودي لديه فرص كثيرة في اللقاءات. نريد أن نستمع إلى الآخر. لدينا ثلاث محاضرات رئيسية، والضيوف الذين أتينا بهم مثل: غسان سلامة وعبد الله بن بيه وأكمل الدين إحسان أوغلو، يمثلون نماذج ثقافية أردنا أن تأخذ حيزاً أكبر».