دمشق ــ خليل صويلح
صار الحديث عن مسلسل “أسمهان” يشبه أغنية الشيطان. منذ إطلاق فكرة إنتاج عمل تلفزيوني يتناول حياة المطربة السورية الراحلة، بتنا أمام أخبار متضاربة. مرة يقال إن النص أصبح جاهزاً، وإن الكاميرا ستدور قريباً، ومرة نسمع أن أسرة أسمهان اعترضت على إنجاز مسلسل عن حياتها، وأن القضاء سوف يقول كلمته، كي يبتّ نهائياً هذا الشأن.
قبل أيام عاد فراس إبراهيم، صاحب الشركة السورية المنتجة للعمل، من القاهرة بأخبار جديدة تتعلق بمصير المسلسل الملعون. وأعلن أنه قد تم الاتفاق مع مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر على الإنتاج المشترك لهذا العمل الضخم. لكن إبراهيم خبّأ مفاجأة تتعلق باسم الممثلة المرشحة لتأدية دور أسمهان، سيطلقها في مؤتمر صحافي قريباً، مع العلم بأن موعد تصوير المسلسل، كما قال، سيكون في منتصف آذار الجاري. كأن الأمر لغز أو أحجية! في مرحلة سابقة، عرقل بعض أفراد أسرة الأطرش إنجاز المسلسل، وربطوا موافقتهم على تصوير العمل بأن تؤدي الممثلة ليليا الأطرش دور أسمهان، على أساس أن الدور “غنيمة حرب” لا أكثر. فيما رشح مخرج العمل نبيل المالح نانسي عجرم أولاً، ثم نسرين طافش، ثم كارول سماحة. اليوم هناك من يشيع أن الممثلة صفاء رقماني ستفوز بأسمهان، وقد سبق لها أن ظهرت مع فراس إبراهيم كثنائي في أكثر من عمل رومانسي، كان آخرها “حروف يكتبها المطر”. وقد تردد اسم الممثلة الشابة لأن فراس إبراهيم هو من سيجسد دور فريد الأطرش في المسلسل الجديد، وربما لهذا السبب انسحب المالح من إخراج العمل، وحلّ مكانه بسام سعد. مهلاً، هذه المعلومة نفاها المنتج بشدة أيضاً، ولم يبق احتمال آخر، سوى أن “أسمهان” ستكون ممثلة مصرية!
هذه الإشكالات الإجرائية لا تمنع من إعادة طرح أسئلة جوهرية تتعلق بالنص نفسه. إذ سبق أن صرّح ممدوح الأطرش، صاحب فكرة العمل، بأن المسلسل لن يتطرق إلى كل ما يسيء إلى صورة أسمهان (1917-1944)، بمعنى انه سيتجاوز سيرتها السياسية وعلاقاتها بالاستخبارات البريطانية والألمانية، خلال الحرب العالمية الثانية. وقد أشارت معظم مراجع تلك الفترة إلى ذلك، وخصوصاً كتاب “أسمهان والمخابرات” الذي كتبه الصحافي السوري الراحل سعيد الجزائري، ودعّمه بالوثائق. لم تكن أسمهان ملاكاً إذاًً، بل كائن دنيوي، تتماوج في حياتها أفعال متناقضة، وقصص حب، لم تعد حبيسة الجدران، وأسرار كانت مجالاً حيوياً لمانشيتات ساخنة في صحافة الأربعينيات في مصر. وبالطبع، ستختفي صورة غريمتها أم كلثوم من مجرى الأحداث، مثلما اختفت صورة أسمهان من مسلسل “أم كلثوم” للأسباب العائلية نفسها. حادثة سقوط سيارتها في الترعة ووفاتها (وقد تردد أن أم كلثوم كانت وراءها)، ستبقى مقيّدة ضد مجهول. ما الذي تبقى إذاً من سيرة صاحبة “غرام وانتقام” التي اجتمعت فيها المتناقضات السياسية والاجتماعية والعاطفية؟ هل ستكون محاولة تقديم صورة وردية وناصعة البياض لشخصية إشكالية مثل أسمهان، كفيلة بصناعة مسلسل مهم وجدي؟ أم العمل هو في نهاية المطاف، ليس سوى مجرد ركوب موجة، واستثمار اسم نجمة عربية عبرت كالسهم في الذاكرة؟
تحتاج سيرة أسمهان إلى قراءة عميقة لشخصيتها والعصر الذي عاشته بكل عواصفه واضطراباته، بعيداً من الصورة العمومية التي لن تتوغل، (كما هو واضح مما تسرب من مناخات العمل)، في الجانب السري من حياتها. وهذا هو المهم، في كل الأعمال التي سعت إلى سبر حياة المشاهير. وإلا فإن العمل سيتحول، في نهاية المطاف، إلى درس بليغ في تجميل الصورة، وحذف كل ما يسيء إلى دنيوية المثال!