strong>حسين بن حمزة
أخيراً، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من العمل في المنافي والطواف على خشبات بلاد عديدة، وبعد آلاف البروفات مع عشرات الممثلين العرب والأجانب، حطّ المخرج العراقي جواد الأسدي رحاله في بيروت. هنا، بات له مسرح خاص به، وهو مسرح سينما “مارينيان” في شارع الحمراء الذي سيحمل من الآن فصاعداً اسم Babilion theater. الأسدي الذي وقّع أخيراً عقداً لاستثمار المسرح لعشر سنوات، تجمعه علاقة وطيدة مع العاملين في المسرح اللبناني، وله سمعة طيبة عند الجمـــهور أيضاً. الأرجح أنّ هذا سيوفر له أرضـــية مشـــتركة جـــاهزة للعمل.
في بيروت، قدم الأسدي “الخادمتان” عن نص جان جينيه، و“تقاسيم على العنبر” لتشيخوف، و“الاغتصاب” لسعد الله ونوس، و“الآنسة جولي” لسترندبرغ، و“المصطبة” من تأليفه.
التجربة المميزة والواسعة التي راكمها هنا ستسهم، بلا شك، في تعزيز مشروعه الخاص المتمثل في إدارة مسرح يقدم من خلاله أعمالاً من إخراجه، ويستقبل أعمالاً مسرحية عربية وأجنبية، وعروضاً للرقص الحديث ومسرحيات للأطفال، إضافة إلى ورشات تدريبية لفنون الأداء والإخراج، وسيضم المكان صالة للفن التشكيلي.
الاستقرار في بيروت، يقول الأسدي، “يمثل خلاصة تجربتي المسرحية في مدينة تمتلك سقفاً عالياً للحرية يليق بفكرة طرح الكثير من النصوص والموضوعات. والعلاقة مع جمهور لديه ذائقة استثنائية تعطيني الفرصة لكي أطرح أفكاراً لم أطرحها، وأن أغامر بعروض لم أغامر بها من قبل”.
عمل الأسدي طويلاً في دمشق (مع المسرح الفلسطيني في البداية ثم مع المسرح السوري)، وأسس علاقة شديدة الثراء والخصوبة والتعددية مع الممثلين والمناخات المسرحية هناك، ثم قدم عروضاً لافتة في بيروت وعمان والقاهرة وتونس، ونال جوائز عديدة حيث كانت الأخيرة جائزة الأمير كلاوس الهولندية. واستُقبلت عروضه بحفاوة لافتة على خشبات أوروبية في السويد وبريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا، وعمل فترة في الخليج، مسهماً في تطوير الحركة المسرحية في الإمارات، قبل أن تتاح له الفرصة لتحقيق أمنية حياته، فعرض مسرحيته “نساء في الحرب” في بغداد بعد سقوط النظام السابق.
لكن الأوضاع الدموية في العراق لم تسمح لأمنية الأسدي بأن تتكرر وتستمر، فعاد إلى المنفى هارباً من جحيم القتل اليومي هذه المرة. “كنت أتمنى لمشروعي هذا أن يكون في بغداد لا في بيروت، لكن بعد عرض وحيد هناك، تبين لي استحالة إقامة منصة مسرحية في ظروف أصولية، دينية وسياسية. أدركت أن الأفق الثقافي مسدود، وأن مدينة محكومة بالخوف والموت لن تتسع للحوار الحر والحقيقي”. لكن ألا يبدو المشروع محفوفاً بالمخاطر في ظل الوضع المتوتر في بيروت؟ يعترف الأسدي بأن المشروع فيه قدر كبير من المخاطرة، لكنه يضيف: “بالنسبة إليّ، العمل في بيروت هو حلم أيضاً، وهذا ما دفعني إلى المغامرة على أمل ألا تسوء الأمور أكثر، وأن تنتهي الأزمة الحالية”.
رغم كل شيء، يبدو جواد الأسدي سعيداً وتواقاً إلى خوض التجربة. فالاستقرار في مكان واحد سينسحب على مجمل ممارسته المسرحية.
وفي هذا السياق، يؤكد الأسدي أن “التشتت في الأمكنة يؤثر في العروض المسرحية. والعلاقة مع الممثلين تظل محكومة بالبتر والنقصان. الآن، ولأول مرة سأكون حراً ومرتاحاً في زمن البروفات ونوعية النص وطريقة العمل عليه، ستكون لدي مساحة زمنية واختبارية واسعة”.
الأسدي الذي سيقدم عمله الأخير “حمام بغدادي” في إنكلترا قريباً، ويستعدّ لتقديم “ريتشارد الثالث” لشكسبير، يتداول أفكاراً كثيرة بشأن برنامج العمل في مسرحه الجديد. هناك مقترحات عن ندوات مسرحية وعروض فيديو وورشات لتأهيل الممثل، واستعادة بعض أعماله السابقة، والانفتاح على التجارب اللبنانية والاحتفاء بمسرحيين لبنانيين مخضرمين على رأسهم يعقوب الشدراوي وريمون جبارة، إضافة إلى استقبال عروض عربية (هناك نيّة لتدشين المسرح بعرض تونسي). أما العمل الأول الذي سيوقعه الأسدي في المسرح الجديد، فسيكون عرضاً لرواية “مريم الحكايا” لعلوية صبح.