ملكا ــ الأخبار
خليط من الثقافات والديانات والعادات يقدم أسلوب حياة مميزاً ومزيجاً غريباً من الملابس والألوان واللغات والتقاليد والعادات القديمة التي تثير إحساساً بالحيوية، ومنازل مصنوعة من أخشاب شجر المطاط، ومقاهٍ تغصّ بعشاق البيرة، وشباب يتنقلون على الدراجات، وفرح يسم كل الوجوه من دون استثناء. هذه مـــــدينة ملكا، العاصمة السياحية لماليزيا. ا يلتقي شرق آسيا وأوروبا تحت راية “لا إله إلا الله” الإسلامية.
اكتشف أحد أمراء “سومطرة” هذه المدينة في نهايات القرن الرابع عــــشر. وسرعان ما تحولت في القرن الخامس عشر الى مركز تجاري بارز حمل اسم “فينيسا الشرق” بسبب موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب. ومع بدء التوسع الإسلامي، وفي فترة لاحقة أصبحت “ملكا” هي المركز الإسلامي المالاوي من ناحية الثقافة والحضارة.
اكتسبت اللغة المالاوية التي سهّلت انتشار الإسلام عبر أرخبيل “مالاوي” قواعد لغوية جديدة، ثم وصلت إليها الديانة المسيحية والبوذية. ليضاف التنوع الطائفي إلى التنوع العرقي، وحل الأوروبيون وسط المـالاو، والصـينيون الذين ما زالــــــوا يمارسون طقوسهم القديمة وفولكلورهم الخاص، والهنود.
انضمت هذه الشعوب إلى مجتمع الـ“أورانج آسلي” الذي يتألف من سكان ملكا الأصليين الذين يعيشون في الغابات الممطرة، علماً بأن سؤال أي إنسان في هذه المدينة عن عرقه أو دينه يعتبر إهانة.
تبدأ جولة 14 لبنانياً قصدوا المدينة بدعوة من وزارة السياحة الماليزية و“الاتحاد للطيران” بزيارة المتحف البحري الذي يقع في سفينة بنية اللون، يبلغ ارتفاعها 35 متراً، وطولها 36 متراً، وعرضها 8 أمتار، وهي شبيهة بسفينة “زفلور ديلامارس” البرتغالية التابعة للغازي البرتغالي ألفونسو دي ألبوكويركو. وتحتوي على معروضات تختصر المراحل الاستعمارية التي شهدتها المدينة، وتطور العلاقة بين أهلها والبحر. وتوجد عدة صور ضخمة للقادة البحريين، وميداليات الخدمة، وشارات الرتب، والأزياء الرسمية، ومعدات الاتصال والأعلام التي كانت تستخدم في البحر. ومن السفينة، يستدل على وجهة السير، هنا مجموعة كبيرة من المتاحف، وهنا متحف الشعب الذي يعرض مراحل تطور ملكا، وبعده متحف الكايت حيث مئات التصاميم للطائرات بأشكال متعددة ومختلف الأنماط.
بين متحف وآخر، يطل من بعيد بائع يدفع عربته، يبتهج بعض اللبنانيين لكن سرعان ما يخيب ظنهم بلقاء بائع “عرانيس” أو “فول”، إذ يتبين أن “العصرونية” في ملكا، كالفطور ووجبتيْ الغداء والعشاء في هذه المدينة، تتألف من السمك.
ترتبط الأماكن السياحية المتعددة بشبكة من الطرق ــ الأسواق التي تزدحم بدكاكين صانعي القباقيب والأحذية وأخشاب البامبو، وتجار الطب التقليدي الصيني ومحال الأطعمة، علماً بأنه ليس ثمة وقت محدد لتناول الطعام في ماليزيا. وتزدحم المطاعم بالزبائن طوال النهار والليل.
الناس في هذه المدينة يشيدون بحكامهم، ويؤكدون إيجابية الخطة السياحية الطويلة الأمد التي تنتهجها الحكومة المركزية. وكانت حكومة ولاية ملكا (تضم ماليزيا 13 ولاية، لكل منها حكومة منتخبة خاصة) قد حوّلت المنازل والأبنية “البيرانكانية” إلى فنادق، إيجار أفخمها لا يتعدى ثمانين دولاراً لليوم الواحد.
وبواسطة عربات “الركشا” وهي أشبه بالدراجة التي تتسع لشخص إضافة إلى السائق، يصل الزائر إلى متحف تراث بابا نيونيا الذي يجسّد بمظهره الخارجي لمسة جمالية لفنون الديكور المعقد للمنازل الثابتة لعائلات “البيرانكان”. ويتميز بالسلالم الحلزونية التي تعبّر عن أساطير الخلود الثماني، وهي فولكلور صيني مشهور. وفي داخله، مجموعة من المقاعد الصينية والمناضد المُطعّمة بالجواهر واللآلئ. ومقابل مبنى إعلان الاستقلال، يطل القصر السلطاني أو المتحف الثقافي لملكا. ويمتد على مساحة 300 قدم، وبني من طريق “تعشيق” أخشاب “الشنغال” و“الراسك” من دون استخدام أية مسامير.
وتضم المدينة أيضاً عدة حدائق ومنازل مهمة، إضافة إلى قلعة أفاموزا التي بنيت عام 1511، والمقبرة البريطانية، ومقبرة بوكيت شينا الصينية الأكبر خارج الصين، وبرج الساعة، وميدان التاريخ، وعشرات الأضرحة وأماكن العبادة.



سياحة بيئية

يهتم الماليزيون بالسياحة “البيئية الزراعية”، وتشمل الجولات التي ينظّمونها لضيوفهم عدة أحراش خضراء، يحصل الزوار خلالها على فواكه استوائية مثل المانغو، والبطيخ، والبابايا، والأناناس وغيرها، وقد زرعت في مساحة تصل إلى 125 هكتاراً. ويمكن الزائر أن يطّلع على المراحل المختلفة لزراعة المحاصيل الماليزية. وفي غابات أخرى، تقترب الحيوانات والطيور من الضيوف، وخصوصاً النعام والبجع والبط والغزلان.
ويمكن من يرغب أن يقيم في بساتين الفاكهة أو في الشاليهات الريفية أو في مواقع التخييم. وتشمل السياحة البيئية الزراعية أيضاً جولة على محمية الفراشات والزواحف، ومزرعة التماسيح، وحديقة الحيوانات، وغابة إير كيروه الاستجمامية. وبين هذه وتلك، لا تتوقف التعليقات اللبنانية الساخرة من حال اللبنانيين ومصائبهم. هنا حتى النحل يُستثمر للسياحة، وفي لبنان يُقتلع الأرز ويُستخدم للتدفئة. تشمل «السياحة البيئية» أيضاً جولة على مزارع «بلح البحر» في «تيلوك إيماس» حيث يُحفظ البلح في أدوات خشبية تُغمر في مياه البحر. وحديثاً، سادت “استراتيجية” زراعة الغابات للحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض في ماليزيا. ففي القرن التاسع عشر تم إخراج الكثير من الكائنات من المساحات البرية التي كانت تعيش فيها إلى خارج البلد وتمت تربيتها في الأسر، ثم أعاد مربوها الأجانب تصديرها مرة أخرى إلى البلاد. ويجري اليوم البحث في تطوير زراعة الغابات في حديقة حيوان ملكا، وفي مزرعة الفراش والزواحف.