بيار أبي صعب

لقاء غريب، هذا المساء في “غاليري جانين ربيز”. خصوصاً بالنسبة إلى الذين يعرفون مازن كرباج. يتابعون رسومه، الصاخبة مثله... أو موسيقاه الاختباريّة الارتجاليّة الحرّة التي لا تقلّ صخباً. هذا الفنّان الشاب الذي لا يشبه أحداً على الساحة اللبنانيّة والعربيّة، على موعد مع أمّه فوق جدران قاعة العرض البيروتيّة الشهيرة. أمّه الفنانة المعروفة لور غريّب، عنده كلمتان يريد أن يقولهما لها. إنّها أشهر منه، أقدم وأنضج، فما بالها تتركه يستدرجها إلى المواجهة؟ رسومه تتقابل مع رسومها، ترغمنا على المقارنات والمفاضلات. تفصل بين الاثنين عقود من التجربة، فهل يجوز الحديث عن “صراع أجيال”؟
المصطلح لا يبدو دقيقاً هنا. مازن واعَد لور على الروشة، ببساطة، كي يقول لها كم يحبّها. هذا البوح لا يمكن التعبير عنه ألا من خلال الفنّ، ولا يكتسب أهميّته (التاريخيّة) ألا في حضورنا. هكذا هم الفنّانون، دائماً في حاجة إلى “شهود”، إلى من يتفرّج عليهم ويشاركهم لحظات العري الحاسمة! صغيراً كان مازن كرباج يجد أمّه “ختيارة”... كان مسكوناً بالخوف الفظيع من أن يفقدها. الآن وقد دخل دائرة التكريس، ها هي أمّه تضاهيه شباباً. تطل بأعمال مفاجئة، وقد تطوّرت أدوات تعبيرها، ونظرتها (السياسيّة؟) إلى العالم. بعد أن تربّى على ابداعها، وتشرّب عالمها، ها هو مازن كرباج ينقل إلى لور غريّب عدوى الشباب.
ننظر من النافذة، فنرى نافذة أخرى. وعبرهما العالم من زاويتين مختلفتين. هذا هو مبدأ معرضهما المشترك الذي يفتتح هذا المساء في بيروت. لعبة مرايا متقابلة. علاقة اعجاب وغيرة، تأثّر وتأثير. هو يوقّع اليوم كتاباً يضمّ رسومه الجارحة التي أدمنّاها خلال عدوان تمّوز. وهي توقّع كتاباً آخر، يضمّ رسوماً من المرحلة الصعبة نفسها. هو لديه موقعه على الإنترنت (http://mazenkerblog.blogspot.com/)، وهي أيضاً (http://laureghorayeb.blogspot.com/). متجاوران ومتقاطعان في علاقة شائكة ومثيرة وفريدة على الأغلب.
الابن وأمّه يرسمان من موقعين مختلفين، جغرافيّاً، سياسياً، وجمالياً. لكنّهما متقاربان بشكل مدهش. مازن لمن لا يعرف بات “عميلاً إيرانيّاً خطيراً” منذ نشر في “الأخبار” رسمته الشهيرة التي تسخر من “حب الحياة” (ولا ترحم المعارضة)! أصرّ جوزف سماحة أن تكون على الأولى في جريدته الشابة، فقامت الدنيا على مازن ولم تقعد. وحدها أمه فهمته، مع انها على الأرجح من “محبّي الحياة”. ومن هنا تكتسب تجربة “غاليري جانين ربيز” أهميّتها القصوى. يبدو المشهد منقسماً إلى معسكرين متصلين، كما الآبار الارتوازيّة. مختلفان ومتكاملان، هكذا يتراءى لنا الثنائي لور غريّب ــــــ مازن كرباج. هي تواصل الابحار في نمنماتها وحكاياتها المشغولة بالتفاصيل، وهو يخرّب العالم ويكسّر الخطوط ويشوّه الوجوه. لا يكاد أحد يصدّق أنّه “بيعرف يرسم متل الناس”، واضعاً الأنف في مكانه والأذن أيضاً. لكن يا لها من حكاية مضجرة لا يريدها! لور شخصياتها أوضح وأكثر انسجاماً، حتى حين ترسم مجازر قانا وأخواتها. إنّها متفائلة، عكس ابنها الذي سرق أحزان محمد الماغوط من احد الملفات القديمة التي تخصّ والده أنطوان. هنا فقط يمكن الحديث عن “صراع أجيال”.

غاليري جانين ربيز: 01.868290 ــــــ لغاية 28 آذار www.galeriejaninerubeiz.com