نادر فوز
التوجه بـ“السرفيس” من كورنيش المزرعة إلى فرن الشباك ليس بالأمر السهل على رغم قرب المسافة، فتقاطع “المتحف” لا يزال يشكّل لدى كثيرين من اللبنانيين خطاً وهمياً أساسياً من خطوط تماس الحرب السابقة، وربما من “الحدود النفسية” للأزمة الحالية.
على أنغام “نحن مشينا والله معنا، والحريري اللي بيجمعنا” المناسبة لذكرى 14 شباط، ينطلق سائق من “الكورنيش” متمتماً ببعض الكلمات كـ“يا الله... بيعين بيعين”.
يتبادر إلى ذهن الزبون سؤال بديهي “الشغل خفيف أليس كذلك؟”، لكن على غير العادة يكتفي السائق بالصمت، على رغم أنّ زملاءه يتمنّون تبادل الأحاديث مع زبائنهم عن أحوال العمل. لكن هذا السائق واسمه سعيد مختلف، فلا نجد في سيارته مثلاً أي شعار ديني.
قرب ميدان “سبق الخيل” يفتح سعيد “تابلوه” السيارة، ليتناول قرصاً مدمجاً آخر وتنطلق أغنية: “نزل التيّار عالأرض والسيادة هي حدوده”. تظهر على الزبون علامات المفاجأة فيشرح السائق سياسته قائلاً “لا تؤاخذني يا أخي، أنا مضطر إلى ذلك أريد أن أعمل”، متفاخراً بأسلوبه الجديد، إذ أصبح عمل سيارات الأجرة مرتبطاً أيضاً بالانتماء السياسي ــ المناطقي. يفتخر سعيد بتعددية الأقراص التي يمتلكها: “رايس إخرسي” مضافاً إليها “نصرك هزّ الدني”، “بست أوف أناشيد القوات” التي تضم أيضاً خطابات سمير جعجع والرئيس الراحل بشير الجميل، “أنا مش كافر” لزياد الرحباني، فضلاً عن ألبومين آخرين لتياري المستقبل والوطني الحر.
تساؤل آخر قد يطرحه الزبون على سعيد: “ماذا لو استوقفك شبان من القوات اللبنانية في الشرقية؟”، يأتي الرد سريعاً: “شباب القوات ما بيعملوها”، مردفاً بتعليق “نمون عليهم”.
“لماذا أنا مش كافر موجود ضمن هذه المجموعة؟”، سؤال ثالث قد لا يسمح الوقت لطرحه، لكن الزبون يستطيع أن يستنتج أن سعيد يريد جامعاً بين “ممثلين” للطرفين المتنازعين إذا ضمّتهما “النقلة” نفسها.