محمد خير
بيل غيتس أعاد تأكيد نبوءته في «دافوس» الأخير:
قريباً يصبح التلفزيون التقليدي حكاية قديمة بفضل الإنترنت. «بي بي سي» بدأث بثّها على موقع YouTube الذي يدخله أكثر من 70 مليون زائر يومياً. هنا تختار برامجك على المزاج، وحتّى الإعلانات تخضع لـ«ما يطلبه المشاهدون»


ينشغل خبراء الميديا هذه الأيام بالصفقة التي وقّعتها هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» مع موقع «يوتيوب» www.youtube.com. وهي توفّر لمستخدمي الموقع ثلاث قنوات، يمكن لهم من خلالها مشاهدة برامج التلفزيون العريق. الصفقة أتت في وقت تزايد فيه اهتمام هؤلاء الخبراء بالأثر الذي تحدثه مواقع الإنترنت المتخصصة بعرض مواقع الفيديو، ويعدّ «يوتيوب» أشهرها على الإطلاق. أضف إلى ذلك أن الاتفاق تمّ بعد أقلّ من شهر من تصريحات بيل غيتس في منتدى دافوس، وتناول فيها العلاقة بين التلفزيون والإنترنت. الرجل الذي تنبّأ قبل أكثر من عقد بأن «الإنترنت سيغيّر العالم»، عاد ليؤكد في المنتدى الاقتصادي العالمي أن «الشبكة العنكبوتية في طريقها إلى إحداث ثورة في عالم التلفزيون في غضون خمس سنوات، بسبب انفجار محتوى الفيديو على الإنترنت، ودمج أجهزة الكمبيوتر والتلفزيونوقال يومها: «أنا مذهول. كيف لا يتوقع الناس هذا المصير للتلفزيون... بعد خمس سنوات، سيضحك الناس على ما كان عليه المشهد سابقاً».
المواقع الإلكترونية التي كبّدت صناعة السينما العالمية خسائر كبيرة، قدّرتها مصادر في هوليوود بسبعة مليارات دولار عام 2006، (بسبب برامج قرصنة وتحميل الأفلام من الإنترنت)، طال تهديدها التلفزيون هذه المرة. وبعدما انتشرت مواقع عرض أفلام الفيديو القصيرة على الشبكة، فطنت شركة محرّك البحث الأشهر في العالم «غوغل» إلى أهمية هذه المواقع، ما دفعها في العام الماضي إلى شراء موقع «يوتيوب» بصفقة دفعت فيها ملياراً وست مئة مليون دولار، وذلك لتضيفه إلى خدمة البحث عن الفيديو الذي تقدمه الشركة ضمن خدماتها على موقع «غوغل»، ولتسيطر من خلاله على عالم الفيديو على الإنترنت. إلا أن المزيد من المواقع الشبيهة تنمو وتزدهر على الشبكة، وتعرض كماً ضخماً من لقطات الفيديو السينمائية والخَبرية والمنزلية والرياضية. ووصل الحال بـ«غوغل» إلى أن بدأت تفكّر جدياً بدفع نسبة مالية لأصحاب مقاطع الفيديو الأكثر شعبية ومشاهدة.
لكن “غوغل” و“بي بي سي” لم تعقدا صفقتيهما إلا بعد صدور العديد من الإحصاءات التي أكدت أن نسبة متابعة المشاهدين الشباب للتلفزيون قد انخفضت إلى حدّ كبير، مقارنة بزيارتهم للمواقع التي تعرض الفيديو. وقد أسهم الانخفاض المستمر لأسعار الإنترنت، فائق السرعة، في انتشار هذه الظاهرة، فموقع «يوتيوب» وحده يستخدمه يومياً سبعون مليون زائر، يستعرضون أكثر من مئة مليون مقطع فيديو كل يوم. وهناك أيضاً مميزات عرض الفيديو التي لا تقتصر فقط على تنوّعها الشامل، بل، وهذا هو الأهم، تحكّم المُشاهد في توقيت عرض ما يشاهده، بدلاً من انتظار موعد نشرة الأخبار على شاشة التلفزيون العادي. بات بإمكانه أن يتابع في أي لحظة ما يريد، حتى إن المَشاهد «الكاملة» لا تتوفر أحياناً إلا على شبكة الإنترنت التي لم تلتزم بعد بمعايير ومواثيق الشرف الإعلامي. هكذا تابع زوار الإنترنت مشهد إعدام صدام حسين كاملاً، بعيداً من الفضائيات التي كانت تقطع المشهد عند إفلات المشنقة. أما المَشاهد التي لا يعرضها الإعلام التلفزيوني لأسباب سياسية أو قانونية، فهي تنتشر بسهولة على الشبكة، ومنها ما أطلق عليه في مصر «كليبات التعذيب». وهي لقطات فيديو قصيرة، قال من أذاعوها إنها عمليات تعذيب في أقسام الشرطة. وقد أحيل بسبب بثّ تلك اللقطات عدد من رجال الأمن إلى قاعة المحاكمة. وحتى على مستوى الصراعات بين الفنانين والمنتجين، فوجئ الكثير من الزوّار قبل شهرين، بمقاطع قديمة للمطرب سعد الصغير يغني في أفراح شعبية، وقيل إن منافسيه هم الذين عرضوها على الإنترنت في سبيل الإساءة لسمعته، وذلك لما تحمله هذه المقاطع من بذاءة وكلمات إباحية.
إلا أن النقطة الموجعة للتلفزيون التقليدي هي الإعلانات: مصادر التمويل التي بدأت تتسرب إلى الإنترنت بوتيرة متزايدة. في وقت تُوجّه إعلانات التلفزيون التقليدي إلى جميع المشاهدين من دون تمييز، شرعت مواقع عرض الفيديو على الإنترنت بوضع أسئلة للمشاهدين عن هواياتهم واهتماماتهم، وذلك حتى لا تعرض على المستخدم سوى الإعلانات التي تناسب رغباته وطموحاته. وهي بذلك توجه ضربة قاضية للتلفزيون التقليدي الذي يصعب عليه تقديم هذه الخدمات التفاعلية، من دون كلفة باهظة عليه وعلى المشاهد.