مهى زراقط
أثار تقرير «كش ملك» لفراس حاطوم، اهتمام الرأي العام لاعتبارات تتعلّق بهوية محمد زهير الصدّيق وسجن فريق العمل الذي أنجزه. لكن الشريط يفتح النقاش أيضاً حول أخلاقيات المهنة...

«دخل فراس حاطوم حقل اختبار الصحافة الاستقصائية في لبنان». هكذا قالت مديرة الأخبار في «تلفزيون الجديد» مريم البسّام يوم كان فراس سجيناً مع زميليه عبد خيّاط ومحمد بربر. هذا التعبير، الدقيق مهنياً، كانت له آنذاك أيضاً مهمة أخرى: إثارة روح التضامن مع الصحافي المتحمّس. وأدّت الإشارة إلى «البحصة» التي عكّر بها فراس صفو العمل الصحافي «الراكد» في لبنان، دورها كما يجب.
أما بعد الخروج من السجن، وبثّ «كش ملك 2» الذي رُوّج له بشكل مكثّف على الشاشة، فلم يعد هناك مجال للتسامح. «جاء دور الجَلد؟» يتساءل فراس... علماً أن عمله لم يتعرض للنقد، كما يقول، والملاحظات التي سمعها مباشرة بل تناولت تقنيات كان يمكنها أن تكون أفضل للقطات معينة، أو تساؤلات عن المضمون الكلامي «الوسطي» الذي اعتُمد في «كش ملك 2» من أجل تقديم شهادة حسن سير للقضاء، كما كتب حسّان الزين في «السفير».
لكن هذا لا يعني غياب النقد بشكل كامل، وخصوصاً أنّنا لم ننس أن فراس زُجّ في السجن بتهمة «السرقة الموصوفة» بعد دخوله شقة «الشاهد الملك»، والمدّعى عليه في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، محمد زهير الصديق؟
وبغضّ النظر عن الخلفية التي انطلق منها فراس لدخول الشقة بشكل غير قانوني، تثير المسألة إشكالية تتعلّق بأخلاقيات المهنة، وخصوصاً أنّ «المخالفات» تكرّرت في «كش ملك 2». وقد ارتكب فراس عدداً كبيراً من المخالفات التي تعدّ مرفوضة مهنياً مثل التسجيل الصوتي لأمنيين ومواطنين من دون علمهم مسبقاً، أو طلب إذنهم لاحقاً.
من هنا، يتّخذ الحوار مع حاطوم طابعاً إشكالياً، يهدف إلى إثارة النقاش في شأن أخلاقيات المهنة من جهة، والدور الذي يفترض أن يقوم به الصحافي في حالات مماثلة، من جهة أخرى.
لكن هذا النقاش لا بدّ له من بداية هي الآتية: اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أحدث تداعيات سياسية كبيرة هي أحد أبرز أسباب الأزمة اللبنانية الحالية والمفتوحة على المجهول. وهناك شاهد سوري في حادثة الاغتيال، تطرح حوله الكثير من علامات الاستفهام، وهو عاش في لبنان لسنوات. ماذا يفعل الصحافيون اللبنانيون في هذه الحال؟ وماذا يفعل صحافي بعد أن يجيب على اتصال هاتفي من هذا الشاهد، في المحطة التي يعمل فيها؟
الإجابة عند فراس تكمن في الخوض في تفاصيل القصة وكشف هوية الصدّيق... مهما كان الثمن (وكان هناك ثمن)، أياً تكن المخالفات؟
يقول فراس بعد الموافقة على «افتراض» أنّ ما قام به مخالف لأخلاقيات المهنة، «لأن الأمور نسبية» برأيه: «إذا خضنا الجدال القانوني، فأنا أصلاً مخالف للقانون الذي يرى أنني «منتحل صفة». وقد يتسبّب هذا التوصيف في سجني في أي لحظة بغضّ النظر عن قضية الصدّيق أو غيره. وكان يمكن أن أسجن لأسباب أخرى تتعلقّ بالتغطيات اليومية العادية... هل يمكننا أن نحصي عدد المخالفات القانونية التي يمارسها الصحافيون يومياً؟ نشر صورة لعناصر القوى الأمنية مثلاً... هذه مخالفة لكن الجميع يمارسها، فلماذا لا يتحرك القضاء؟ هناك أيضاً المصوّرون الذين يتسللون إلى أماكن محظورة للحصول على لقطة. أليست كل هذه مخالفات يعاقب عليها القانون؟
لا يوافق فراس على القول إن مخالفة دخول الشقة مختلفة عمّا أورده: «الصدّيق نفسه سمح لي بالدخول إلى الشقة، وما أخرجته منها لا قيمة مادية له». برأيه، يجوز للصحافي، في حالات استثنائية، أن يمنح نفسه «صلاحيات استثنائية ما دام الهدف منها معروفاً ولا نية للأذية... قضية الصدّيق قضية عامة، ولم يكن ممكناً الحصول على معلومات عنه إذا لجأت إلى طلب إذن من كل الأشخاص المعنيين».
ولكن هذا لا يعني تخطي كل الخطوط الحمراء: «حرصتُ على احترام الحياة الخاصة للمواطنين وتجنبتُ تعريضهم للأذى. لو أنني وددت العمل في شكل غير أخلاقي، لعمدت إلى بث كلّ ما سجّلته وكشفت هوية الأسماء التي توافرت عندي بعد جمع المعلومات. لم تكن المصادفة أنني كشفت خلال التقرير الأوراق التي كتب عليها أسماء الأمنيين، وتغاضيت عن الأوراق التي سجّلت عليها أسماء نساء ومواطنين عاديين كانوا على اتصال بالصدّيق».
حاطوم الذي يعترف بأنه لم يأخذ إذناً بالتسجيل، ولم يعلم حتى من خابرهم بأنه كان يسجّل، يشير في المقابل إلى أنه كان واضحاً في التعريف عن نفسه بأنه صحافي: «سجّلت لأني كنت أحتاج إلى دليل أقنع فيه المشاهد بأني أجريت فعلاً كل هذه الاتصالات... أنا لم أكن أقصد الإساءة، وكنت على استعداد لمقابلة كل من يبدي موافقة على لقائي. والسيدة التي أخبرتني أن الصدّيق كان بصّاراً كانت مستعدة لمقابلتي لكنها غيّرت رأيها لأنها لا تعرف أكثر مما قالته لي».
كل هذه الحجج لا تلغي النقاش الذي إذا رغبنا في الإصرار عليه، «علينا أن نتذكّر أنه ما من سوابق في الصحافة الاستقصائية في لبنان للعودة إليها» يقول فراس. ويوضح: «خالفت أو لم أخالف، الموضوع ليس هنا، إنما في غياب المعاهد المهنية التي يفترض أن تعلّمنا ما يجب أن نعرفه. والأهم أنه لا يوجد لدينا كصحافيين حضن نعود إليه إذا تعرضنا لمشكلة معينة».