strong>عبد الغني طليس
يتصرف محمد منير كأنه مكتشف «النوبة» ومبتكرها وباني حجارتها ونوتاتها، لا كأحد أبرز مغنّيها. يتحدث كأنما التراث الفني توقف عند ما نقله منه إلى هذا الجيل، لا كأن ما نقله هو صورة محددة من صور «النوبة» الأكثر ارتفاعاً من قدراته وصوته المحدود. يقول إنه ينأى بصوته عما يقدمه غيره من أبناء هذا الجيل، وإنه إذا أراد أن يكون مثلهم، لطرح بـ«رجله» (أي قدمه) عشرات الأغاني!
لكن، هل توقف محمد منير قليلاً عند مقومات صوته وطبيعته ومساحته بشكل دقيق وعميق؟ أم إنه يعتمد على قلّة خبرة قسم من الجمهور الذي يتوجه إليه فيعلن، بطريقة استعلائية عجيبة، أنه «أكبر» وأكثر انتماءً الى الأصول في النتاج الفني، منهم جميعاً... حتى وهو يمتدح بعضهم لأسباب مجهولة وغير معللة، فكيف وهو يهجو بعضهم الآخر بمجرد أنهم نجوم من وزن ثقيل؟!
وهل، حقاً، تستطيع «رِجل» منير أن تقدّم الأغاني الناجحة، بل العشرات منها؟ وما هو نوع تلك الأغاني التي تلدها رِجل فنان، لا شطحات خياله أو حفيف أصابعه على العود، أو حتى إيقاعات قلبه على ورق النوتة؟ ثم ما هو ذلك التواضع الجمّ الذي يجعل الألحان والأغاني صنيعة الأقدام لا صنيعة الرؤوس؟! أو ما هي تلك الثقة العرمرمية التي تطيح كل الموازين والمعايير الفنية في التعبير عن الرأي؟ وهل هناك بالفعل «نوبة» معينة تمسك بمحمد منير أحياناً، فيقول ما يجعل المستمع أو المشاهد يحسب أنه فنان أقوى من أن تجذبه جاذبية أرضية أو منطقية؟
لقد اختار محمد منير في تلك المقابلة التلفزيونية على «ART»، والمجزأة الى حلقات تعميماً «للمتعة»، المغنيين القديرين: كاظم الساهر وهاني شاكر ليهزأ منهما ويضعهما في صف واحد مع شعبان عبد الرحيم. كان يشير حينها إلى أنّ كثرة الحركة الفنية وتعدد الحفلات لا يعنيان بالضرورة مستوى فنياً راقياً. كان يردّ على كلام لهاني شاكر، يتهم فيه بعض نجوم الغناء «بالكسل»، لأنهم يتركون الساحة لمن لا قدرات غنائية جيدة لديهم، ويعيشون أقرب ما يكون الى الاستسلام!
لم يكفر هاني شاكر في كلامه. كان يطرح علامات استفهام حول تراخي المواهب الغنائية الكبيرة أمام آخَرين! فلماذا هبّ محمد منير ليستخدم ملاحظة هاني الجوهرية، منصّة يطلق منها الصواريخ عليه وعلى كاظم الذي اعتبره هاني من النجوم المجتهدين. وهل عمرو دياب وإيهاب توفيق وعلي الحجار مثلاً أفضل من شاكر والساهر.
بين ثقافة محمد منير الفنية وطريقته في التعبير من جهة، وقدراته الصوتية المنحصرة بنوع غنائي بعينه لا أكثر ولا أقل من جهة ثانية، ما يستحق الاهتمام الجدي، وما يثير الريبة معاً. هو حيناً ناقد بارع في التقاط فكرة فنية وتحليلها، وحيناً آخر هو مغنّ لا يستطيع احتمال نجاح زميل فيرميه بـ... شعبان عبد الرحيم. على رغم أنه يعرف المسافة التي تفصل بين الشبه والمشبّه به، وهي جذرية، ومن دون أن يعني كلامنا أيضاً تهشيماً لشعبان الذي لم يتحول إلى ظاهرة لولا أنّه يملك شيئاً كان ناقصاً في الحياة الغنائية. لكن لا سبيل لمقارنته بإثنين من أبرز الأصوات العربية الراهنة على الإطلاق: هاني شاكر وكاظم الساهر.
في المرة المقبلة، يجب أن يسحب محمد منير رجله من الحوار، على الأقل!