القاهرة ــ محمد خير
يلجأ بعض الفضائيات الدينية إلى شتى الوسائل لجذب المشاهدين. بعد «كنوز» المتخصّصة في طرد العفاريت، ها هي قناة «الناس» «تأخذك إلى الجنة»! وفي الطريق تجد في تصرّفك مختلف أصناف البرامج والخدمات، من اكتشاف المواهب إلى رنّات الموبايل...

في عالم عربي يحفل بتناقضاته وتطرّفه، ليس غريباً أن تقتسم فضائيات الفيديو كليب من جهة، والفضائيات الدينية من جهة أخرى، الجزء الأكبر من مشهد الإعلام التلفزيوني العربي. لكنّ المدهش هو ما أصاب بعض الفضائيات الدينية تحديداً. إذ دفعها التنافس المحتدم في ما بينها إلى تتبع وسائل دعائية تخالف كثيراً المفاهيم الدينية نفسها. وتكاد تخلع ثوبها الديني، بل الإنساني أيضاً، لتقدمه أضحية في سبيل جذب جمهورها. في هذا الإطار، برزت فضائية «الناس» الدينية التي حقّقت صعوداً صاروخياً منذ افتتحت قبل أكثر من عام، وأصبحت إحدى القنوات الأكثر شعبية في مصر.
مفهوم «الهداية» واحد من أهمّ المفاهيم الدينية الأساسية، وتعتبر معظم الأديان أن «الهداية» حقّ يحتفظ به الخالق لنفسه، فهو «يهدي من يشاء». إلا أن ذلك يبدو أنه لم يقنع قناة «الناس»، إذ إنها لا تعد مشاهدها بالهداية فحسب، ولا تمنيه بالتعرّف إلى طقوس العبادات وطريق الإيمان فقط، بل ترفع شعار «الناس: شاشة تأخذك إلى الجنة»! هكذا مباشرة وبمنتهى البساطة. ليس ذلك فحسب، بل إنّ المشاهد وفي طريقه إلى الجنة، سيستمتع برنات ونغمات الموبايل، وهي رنات مكوّنة من مقتطفات أدعية بصوت بعض شيوخ الفضائيات، كما تؤكد الإعلانات في القناة: «ليه ما تخليش لتليفونك رنة، تبقى باب لكسب الحسنات ودخول الجنة. اتصل على رقم...»!
الا أنّ الترويج لنغمات الموبايل بهذه الطريقة، ما هو إلا جزء يسير من نشاط اقتصادي مزدهر في القناة، يعتمد على تسويق السلع بإضافة مفردات دينية إلى اسم السلعة، أو إلى الغرض منها أو حتى العبارات التي تسوّق السلعة من خلالها. هكذا تقدم القناة دعاية لسلعة تدعي أنّها قادرة على علاج تأخّر الإنجاب. يقول الإعلان: «لعلاج تأخر الإنجاب – إن شاء الله – استخدم هذه السلعة». وبغض النظر عن أنّ مسألة تأخّر الإنجاب تحتاج إلى متابعة طبية، فإن ثقافة المجتمع العربي تعتبر الإنجاب «قسمة ونصيب». وفي الحالتين، لا يمكن شراء سلعة تدّعي القدرة على حلّ تلك المشكلة من خلال التسوق التلفزيوني. أما المفارقة الحقيقية فهي إعلان يطوف بالشريط أسفل الشاشة عن «القاعدة النورانية، أسهل و“أمتع» طريقة لحفظ القرآن، اتصل على رقم ....».
تقدم المحطة باقة منوّعة من البرامج الدينية المختلفة، إلا أن أكثرها شعبية هو برنامج «هذا تفسير رؤياك» للشيخ سالم أبو الفتوح. وفيه، يمكن للمشاهد أن يسمع العجب العجاب سواء من الأحلام نفسها أو تفسيرها، وبالطبع تحتل مسائل «الحسد» و“السحر» و“الجن» حيزاً لا بأس به على شاشة «الناس»، حتى ليخيّل للمشاهد أنّه يحيا في إحدى ليالي ألف ليلة وليلة. أما قضايا الحياة العامة والسياسة والظلم الاجتماعي وغيرها من «قضايا المسلمين»، فلا تقترب منها القناة لا بخير ولا بشر. ذلك أنّ حزمة الشروط التي أعلنت القناة التزامها بها، تتضمن «الابتعاد عن السياسة وصراعاتها، وعدم تجريح الدول أو الأفراد أو الهيئات أوالمنظمات أو الأحزاب أو الجماعات»، فقط لا غير!
تولي القناة اهتماماً كبيراً لكل ما يخص المرأة، فيتناوب عدد كبير من المذيعين والدعاة على تقديم برنامج «فتاوى المرأة». وهو البرنامج الذي تقدمه القناة يومياً، ما عدا الجمعة، إضافة إلى حلقة ثابتة في البرنامج اليومي «دنيا ودين». وتقدم الحلقة كل يوم ثلاثاء تحت عنوان «المرأة العصرية». لكن المفارقة أن هذا الاهتمام «اليومي» بالمرأة، وكل ما يتعلق بها، يأتي فـي ظل استبعاد القناة لأي عنصر نسائي من الظهور على شاشتها، حتى في صيغة ضيفة برنامج... ذلك أن المرأة «المؤمنة» لا يجب أن تكون إلا متلقية فقط، وهي لن تنجح في تقديم حتى البرامج المتعلقة بالقضايا النسوية.