strong>اسماعيل طلاي
أعلن كمال بوشامة منسّق لجنة تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007” استقالته أمس من منصبه بعد حرب كلامية “غير معلنة” مع وزيرة الثقافة خليدة تومي. استقالة بوشامة الذي شغل منصب سفير، ووزير الشباب والرياضة سابقاً، تنبأت بها الصحف الجزائرية منذ أسابيع، حين بدأ الحديث عن “خلافات حادة” بين بوشامة والوزيرة تومي غداة الحفلة الافتتاحية لتظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية”. وتلت هذه الخلافات انتقادات لاذعة وجّهتها وسائل الإعلام وعدد من المثقفين لمضمون الحفلة الافتتاحية. حتى إنّ بعض الصحف ذهبت إلى حدّ وصفها بـ“الكارثة”، بسبب ما اعتبرته “إقصاءً للثقافة الجزائرية العربية من برنامج الحفلة وطغيان الثقافة الغربية”.
إلا أنّ حقيقة الخلافات بين الوزيرة وكمال بوشامة أعمق بكثير، ولم تكن الحفلة الافتتاحية سوى القشّة التي قصمت ظهر البعير. إذ برّر بوشامة استقالته بـ“خلافات حول الصلاحيات” و“انفراد الوزيرة بتسيير كلّ الملفات من دون استشارته”، مشيراً إلى أنّه أمهل السلطات طويلاً لتضع حداً لبعض العراقيل، لكن من دون جدوى!
الخلافات التي تحدّث عنها بوشامة، عانى منها سلفه “المستقيل” أيضاً الوزير السابق لامين بشيشي، وهي في الأصل خلافات حول “أحقّية” تسيير ميزانية التظاهرة التي خصّصت لها الحكومة الجزائرية 95 مليون دولار أميركي، وراهنت عليها لتكون أكبر تظاهرة في تاريخ الجزائر المستقلة، وبداية عودتها إلى الساحة الثقافية العربية. إذ “جاهر” لامين بشيشي بخلافاته مع الوزيرة، مصرّاً على أحقّيته في تسيير الميزانية، لكنّ الوزيرة رفضت وفضّلت أن تحكم سيطرتها على الميزانية، ما عجّل برحيل بشيشي.
وبعد ثلاثة أشهر فقط من انطلاق التظاهرة، لم يصمد كمال بوشامة، واعترف بأنّ سلفه بشيشي “كان محقّاً في مواقفه” مشيداً بالعمل الذي أنجزه، ومؤيداً في الوقت عينه انتقادات الصحف لوقائع الحفلة الافتتاحية التي غاب عنها الرئيس بوتفليقة.
في المقابل، ظلت وزيرة الثقافة خليدة تومي تصارع وحدها ضد “تيار الرفض”، ودافعت بشدة عن نجاح الحفلة الافتتاحية إلى حد أنها اتهمت صراحة ـــ وعلى التلفزيون الرسمي ـــ صحفاً مستقلة بأنّها “أخذت على عاتقها مهمة تحطيم التظاهرة”، وأن “الصحافة لا تمثّل الانتيليجانسيا، ولا تعبر عن مواقف الشعب الجزائري”.
والمعروف أن الوزيرة تومي برزت مناضلةً سياسية في حزب “التجمّع من أجل الثقافة والديموقراطية” البربري المعارض، وشاركت في معارك ضارية من أجل حرية الصحافة وحقوق المرأة، قبل أن تطلّق حزبها والمعارضة، وتنضم إلى الحكومة مع وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم عام 1999. ودخلت الوزيرة في “سجال حاد” مع صحافيين، إذ هاجمت الصحافي محمد بغالي من صحيفة “الخبر” خلال برنامج ثقافي مباشر، وقالت “أنا لم يخفني إرهاب الزوابري، هل تعتقد أنّ الصحافيين سيخيفونني!”.
وكانت تلك التصريحات بمثابة “النار في الهشيم” فتسبّبت في وقوع “القطيعة” بين الوزيرة ومعظم الصحف التي بدأت منذ أشهر طويلة تشنّ حملة ضدها، متّهمةً إياها بأنّها “وضعت الصحافيين في الدرجة نفسها مع الإرهابيين”. ولأنّ “أخطبوط” السياسة يمتد إلى كل شيء في الجزائر، فضّلت وسائل الإعلام الحديث عن “خلفيات سياسية” وراء الصراع القائم بين وزيرة الثقافة وكمال بوشامة. وتتناول هذه الخلفيات السياسية مسألة ترشيح بوشامة المحسوب على حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية الذي يرأس الحكومة) لمنصب وزير الثقافة في التعديل الحكومي المرتقب منذ فترة طويلة. الا أنّ بوشامة نفى هذا الخبر قائلاً إنّ “تذمره” لا يمت بصلة إلى “طموحات سياسية”.
الكلّ ينتظر اليوم ردّة فعل الوزيرة تومي التي دخلت في معارك مع الجميع، ومن بينهم الأديب ومدير المكتبة الوطنية الأمين الزاوي الذي لحقت به “لعنة” الوزيرة أيضاً، فأقصته عن رئاسة تحرير مجلة وزارة الثقافة أيضاً!