داني الأمين
أطلق استاذ المدرسة في حولا معن محمود عام 1979 أول حملة تشجير، وتبرع تلامذته بمصاريفهم الشخصية لشراء نحو 50 شجرة زرعوها على جانبي الطريق العام للبلدة. وأكمل معن محمود نشاطه هذا، بعدما انضم اليه شبان قرّروا تنظيم عملهم وجمع التبرعات لزرع أكبر عدد من الأشجار في الأحياء والشوارع العامة في بلدته الجنوبية حولا.
قساوة الاحتلال الاسرائيلي جعلت من “أصدقاء الشجرة”، مثلما أطلقوا على أنفسهم، يتركون البلدة قسراً، باستثناء معن محمود الذي بقي وحيداً يعاند الاحتلال بزراعة الأشجار.
وقرر أن يصدر في كل عام روزنامة يبيعها لأبناء البلدة تحت اسم “جمعية أصدقاء الشجرة”، بغية تغطية ثمن الشجيرات المراد زرعها، ولو اضطر الى الاستدانة لتغطية تكاليف طباعة “الروزنامة”؛ مستعيناً ببعض تلامذته الذين كانوا يؤازرونه بزراعة الأشجار رغم مخاطر التنقل في الطرقات والأحياء.
أكد معن محمود أنه “بفضل هذا العمل التطوعي ازداد اهتمام أبناء البلدة بزراعة الأشجار، وتبرعوا بما تيسر للجمعية لتتابع عملها، حتى فاق عدد الأشجار التي زرعتها الجمعية 1000 شجرة من أنواع مختلفة”.
لم يقتصر عمل الجمعية على زراعة الأشجار، بل اتسع نشاطها ليشمل الاهتمام بالأشجار القديمة، مثل شجرة “الحجة” الشهيرة التي يـــــزيد عمرها على 400 سنة، اضافة الى انـــشاء بعـــــض “المــــــــنشيات” الــصغيرة وتــــرميم عين وادي الدلاّفة القديمة جداً، والـــــتي لا يعرف كــــبار السن تـــــاريخ انـــــشائـــها.
ويتوسع نشاط الجمعية الى البلدات المجاورة لحولا، فقد ساهمت بزراعة العديد من الأشجار في بلدات ميس الجبل وبنت جبيل ومرجعيون.
وحصلت الجمعية بعد تحرير الـــــشريط الــحدودي على دعم وزارة الشؤون الاجتماعية التي قدمت بالتعاون مع الـــــــجمعية لمشاريـــــع زراعية وتنموية مساهمة تفوق قيمتها 200 مليون ليرة لبنانية.
ولم تسلم إنجازات “اصدقاء الشجرة” من الاعتداءات الاسرائيلية خلال حرب تموز، فــــــقد قــــضت الـــــصواريخ والـــقنابل التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية على أكثر من 150 شــــجرة والـــــعديد مــــن الحــــدائق المــــزروعة.
ورغم المصاعب التي يواجهها معن محمود وتقدمه في السن، قرر المتابعة والاستمرار في عمله هذا مستعيناً “بدعم أهالي حولا وتقديرهم لانجازاته”، وقد ردد بعضهم: بـ“مجرد سماع كلمة “شجرة” في حولا، تلتصق في مخيلتنا صورة معن محمود”.
تجدر الإشارة إلى أن جمعيات أهلية ومراكز أبحاث أصدرت في السنوات الأخيرة دراسات وتقارير لفتت فيها إلى ضرورة تشجيع المبادرات الأهلية الهادفة إلى تحسين المناظر في البلدات اللبنانية وإلى تشجيع الزراعة.
وقد يكون ما قام به أستاذ المدرسة في حولا نموذجاً يُحتذى به كي لا تغيب الأشجار عن قرانا بعدما انحسرت عن مدننا.