ليال حداد
يجلس أبو ربيع على مقعده، يتصفّح الجريدة دون نظارات. يدقق في صفحة الوفيات تحديداً. لا تتضمن إعلانات الوفيات أسماء أشخاص يعرفهم، لكن ذلك لا يمنعه “من القيام بالواجب الإنساني”، فهنالك مجلس عزاء قرب منزله، وعليه أن يقدم التعازي وإن كان لا يعرف الفقيد ولا افراد عائــــلته.
أبو ربيع، أو جورج المعلوف، أدمن منذ شبابه القيام بالواجبات الاجتماعية. فهذا الرجل الذي تخطى الثمانين من العمر يصفه جيرانه ورفاقه وأقاربه بأنه مهووس بالواجبات.
تتألف عائلة أبو ربيع من سبعة أولاد وأكثر من عشرين حفيداً ويقول: “كــلهم تعقدوا مني، وباتوا يكرهون الواجبات الاجتماعية”.
يشارك أبو ربيع بكل “الواجبات الاجتماعية” التي يصادفها وهو في طريقه: من الدفن إلى العزاء إلى الأعراس والأفراح، وإن كان لا يعرف أصحابها.
وفاة والد أبو ربيع وهو طفل، والدعم الذي تلقاه من الأشخاص الذين قاموا بتعزيته رسخت في باله ضرورة مواساة كل من كان حزيناً لفقدانه قريباً، لأن ذلك يخفف من المعاناة، كما أن المشاركة في العرس أيضاً تــــــــزيد فرحة المحتفلين، وفق فـــلسفة أبو ربيع.
فإذا مرّ العجوز أمام كنيسة ووجد أن فيها مأتماً لشخص ما يدخلها ليعزي عائلة الفقيد ويخرج. وإذا كان في الكنيسة عروسان ينتظر أبو ربيع حلول وقت التهنئة ويدخل ليهنئهما ويخرج.
يقول أبو ربيع، وهو منهمك في ترتيب ربطة عنقه السوداء: “إن الإنجيل يقول افرحوا مع الفرحين واحزنوا مع الحزانى. لو لم يكن ذلك ضرورياً لما ذُكر الأمر في الكتاب المقدس”.
يعيش أبو ربيع في منطقة مار الياس في بيروت، وبات معظم السكان يعرفونه هناك وينتظرونه عند كل مناسبة اجتماعية، وهو حين يُسأل عن الأمر يرد: “كيف لا أشارك الآخرين أحزانهم وأفراحهم؟ هذا أقل ما على اللبناني أن يفعله مع اللبناني الآخر. فحجم لبنان أصغر من صغير، لذلك علينا أن نتعاطف مع بعضنا، ما بالنتيجة كلنا منقرب بعض” هكذا يبرّر أبو ربيع سلوكه وخياراته.
ويذكر أبو ربيع يوم مر أمام كنيسة، فإذا بعروسين يتقبلان التهنئة فدخل إليهما وهنأهما فعرف العروسان أنه لا يمتّ إليهما بقربى و“قدّرا أخلاقه الرفيعة” وطلبا منه أن يتقبل التهنئة معهما.
أما زوجة أبو ربيع فلا تشبه زوجها بشيء، لكنها لا تتأفف من تصرفاته. وتروي المرأة المسنّة وهي تضحك “يوم زفافنا تأخر أبو ربيع عن الموعد في الكنيسة وجعلني أنتظره أكثر من نصف ساعة لأنه في طريقه صادف دفن أحــــد الأشخاص وتوقف ليقدم الـــتعازي”.
لا ينفي أبو ربيع أنه يبالغ أحياناً وأنه في أوقات كثيرة تم طرده لأن البعض ظن أنه يبحث عن الاستفادة من الطعام الذي يقدم في هكذا مناسبات، وهو يغفر لمن طردوه تصرفاتهم ويقول: “المهم أن يعرف كل شخص قبل أن يموت أنه أتمّ واجباته مع الله ومع الإنسان”.