خليل صويلح
يرصد بشار إبراهيم في كتابه “المخيم في الرواية الفلسطينية” (وزارة الثقافة ــ دمشق)، كيفية تناول الروائي الفلسطيني صورة المخيم منذ ولادته بعد نكبة 1948 حتى اليوم، والتحولات التي طاولت هذا المكان الافتراضي لوطن مؤجل. هكذا يرصد السمات والعناصر المشتركة التي بدت ثوابت وركائز في النظرة إلى المخيم باعتباره منفى قسرياً في رحلة طويلة من التشرّد والموت. فالمخيم روائياً هو ذلك المكان الذي وُلد عنوةً وفرض شروطه اللاإنسانية على قاطنيه بتأثير من الاحتلال أولاً، وتخاذل السلطات العربية تجاه الحلم الفلسطيني. هذه السلطات التي كانت تعلن خطاباً علنياً في التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، وآخر سرياً يطيح تطلّعاتهم إلى وطن دائم.
رصد الكاتب صورة المخيم في 30 رواية فلسطينية، كانت تتشكل على مراحل، تختلف بين نص وآخر، تبعاً لتطلّعاته السردية. فرواية الولادة تختلف في جمالياتها عما جاء بعدها، وخصوصاً أنّ المخيم تحوّل مع الزمن إلى بيوت طينية وعمارات ثابتة بشوارع وزواريب وتنظيمات سياسية متباينة في طروحاتها وتطلّعاتها نحو استعادة الأرض والذاكرة، ما فتح الباب واسعاً على رؤى مختلفة لمصير الفلسطيني ومستقبله. هذا ما كشفت عنه روايات غسان كنفاني وسحر خليفة ويحيى يخلف ورشاد أبو شاور في المرحلة المبكرة للمأساة الفلسطينية. لكنّ الولادة الثانية لرواية المخيم التي كتبها أبناء المخيمات أنفسهم، تأخّرت في الظهور إلى حقبة الثمانينيات وما بعدها. إذ ترسخ وجود المخيم في حياة الفلسطيني، كواقع فرض شروطه على جملة العلاقات الاجتماعية والسياسية وأفرز عناصر أساسيّة في بنية هذه الرواية. تتجسّد هذه العناصر في شخصية الشهيد، والصراعات السياسية بين التنظيمات الفلسطينية وانخراط أبناء المخيمات في الثورة، ثم الانتفاضة، ودلالة الملصق الذي أخذ مكانه فوق جدران شوارع المخيم إلى صورة الشهيد التي لا يكاد يخلو منها أي بيت. هذا إضافة إلى العلاقة العدائية بين اللاجئ الفلسطيني وموظفي وكالة الغوث الدولية بعد انتشار مظاهر الفساد بين عناصرها.
يرى بشار إبراهيم أنّه “كان على المخيم أن ينتظر شوطاً طويلاً، لتبدأ تجلّياته في نسق الرواية الفلسطينية، في الصورة الدافئة والنابضة والحميمية، والغوص الدقيق في ثناياه وتفاصيله”. بين النكبة والنكسة، تأخذ الرواية الفلسطينية مجرى آخر لأحداثها في مقارنات صريحة بين حياة المخيم وحياة المدينة. هذا ما تكشّفت عنه بعمق أعمال سحر خليفة، وخصوصاً في روايتيها “الصبار” (1978) و“عباد الشمس” (1980). إذ تناولت فيهما صورة المرأة الفلسطينية في نموذجين مختلفين عبر تجوال جغرافي، يضيء تضاريس الحياة الفلسطينية بمختلف نماذجها البشرية وسوف تكون صورة المخيم مثالاً للعنفوان والتمرد والثورة.
وإذا كانت صورة المخيم عمومية في معظم النماذج الروائية الفلسطينية، فإن روايات أخرى تسلّلت إلى عمق الحياة اليومية في مخيمات بعينها. في رواية “بوصلة من أجل عباد الشمس” لليانة بدر، ترصد الكاتبة تفاصيل الحياة في مخيّم صبرا في لبنان، وتعرّج على أسماء مخيّمات أخرى، بما يشبه العمل الوثائقي والسيروي في مشاهدات تكشف عمق هذه المأساة وتراجيديتها، لا في الذاكرة الفلسطينية فحسب، بل في الذاكرة العربية عامة.