strong>كامل جابر
ختم هشام حسين طقش (47 عاماً) ترحالاً استمر 26 عاماً، قضاها بين الدراسة والوظيفة وتنمية الموهبة، وحط مجدداً في مسقط رأسه النبطية، لينطلق بمشروع تعليمي، وفي رحلة تدوين ذاكرة مدينته التي غادرها يافعاً، رسماً لبيوتها التراثية التي كانت على عافيتها وانتشارها في عام مغادرتها 1979، بعدما بددت الاعتداءات الإسرائيلية من جهة، والإهمال المتراكم واتساع مساحات الإسمنت التجارية من جهة ثانية، معظمها ولم يبق إلا اليسير بين قائم وأطلال.
وحكاية هشام مع الرسم بدأت في سنّ الثالثة عشرة، واستمرت غزيرة معززة بموهبة النقل حتى تاريخ سفره إلى الولايات المتحدة حيث تخصص في هندسة الكومبيوتر، وأنهى دراسته عام 1982 بدرجة امتياز عال، أهلته للعمل في السعودية ست سنوات ونصف السنة، وجعلته يقلل من الإنتاج الفني. ومن هناك انتقل إلى كندا ليلتحق بالمعهد الفني في أونتاريو بعد دوام العمل مدة أربع سنوات، أهلته لإقامة العديد من المعارض في مونتريال، سانت لويس، فيلادلفيا، تورونتو، ميس بورغ، كانسا سيتي، ديترويت، على هوامش عدد من المؤتمرات الإسلاميةتميزت لوحات طقش بالألوان والمزج، متركزة على آيات القرآن والأحاديث النبوية والظلال والخلفيات، فيكثر من نمط “الخيال الواقعي”، وينوع بأنماط مختلفة؛ ويبيع في المعارض أكثر إنتاجه. بعد عودته لم يتخل عن نمط الرسم “الإسلامي”، وعزز رصيده بجملة لوحات عن الانتفاضة الفلسطينية، ثم كانت رحلة رسم البيوت التراثية في النبطية، “مستمداً ذلك من معرفة أكسبتني إياها الغربة، إذ لمست هناك مدى الاهتمام بالتراث والتاريخ والبيئة لمواقع لا تتفوق أهمية عن قلاعنا وبيوتنا وقرانا، فتستثمر من خلال الدعاية والزيارات المدفوعة الأجر من أجل المحافظة عليها. وبالمقابل رأيت كيف بدأت النبطية تفقد لونها التراثي وبيوتها الجميلة الرائعة، فعقدت العزم على تخليدها في لوحات، أعتمد فيها الدقة المتناهية، والأسلوب الواقعي، برسم حجارتها وجدرانها، أبوابها ونوافذها، سطوحها وقرميدها وأدراجها، من دون زيادة أو نقصان، لتكون أكثر واقعية”.
أطل هشام من نافذة بيته على بيت الجيران فوجده “مكتمل مواصفات البيت التقليدي، الدرج، الأبواب وأقواسها، الشبابيك، القرميد، وكانت اللوحة البداية لانطلاق ما نويت عليه تجاه النبطية” وخصوصاً بعدما توقف عدد كبير من المهتمين بلوحاتي، أمامها ووجدوها نموذجاً يجب تعميمه.
للبيوت “المنتقاة” التي سقط قرميدها، أو تصدعت أبوابها أو بعض جدرانها، قرر هشام طقش إعادة ترميمها، مستعيناً بذاكرة بعض الصور عن المدينة قبل خمسين عاماً، أو على المخيلة، “ربطاً بنماذج بعض البيوت التي ما زالت قائمة، في عدد من أحياء النبطية، وتشبه تلك المتضررة إلى حدّ كبير، وخصوصاً بعدما وقفت على النمط المعماري الذي كان سائداً في حقبة مطلع القرن العشرين، وصولاً إلى أواسط الخمسينيات، وتراجعها في الربع الأخير من القرن المنصرم، ولا سيما في هذه الفترة الحافلة بالاعتداءات الإسرائيلية التي بدأت النبطية تتعرض لها منذ عام 1975”. وقبل أن يصيبها على نحو ما أصاب غيرها، باشر بتصوير البيوت والأطلال، أو الاستعانة ببعض أرشيف الصور من محترفين أو هواة في المدينة.
لم يكتف هشام طقش برسم اللوحات وبيع معظمها، “إذ لا مكان عندي أحتفظ بها جميعها”، بل صوّر مجمل أعماله وعرضها على موقع إلكتروني خاص به، أعده ونظمه معتمداً على تخصصه، فيمكن لمن يفتح على موقع www.islamicart.ca أن يجدها مجزأة وموزعة على أبواب وأقسام بحسب الأنماط والأساليب والمواضيع. “لكن الحنين إلى تلك اللوحات غير منقطع، فلكل لوحة مكانة في ذاتي، ومن أجل ذلك، قررت أن احتفظ برسوم “ذاكرة النبطية”، في معرض دائم، قد يتم تنسيقاً مع البلدية، أو أي جهة تميل إلى ذلك، مع تشجيع عدد من الهواة على رسم هذه الذاكرة وإقامة معرض جماعي”.