strong> بشير صفير
أطلق زياد سحّــــــــاب وغازي عبد الباقي ألبوميهما الجديدين أخيراً... وشاركا معاً في إحياء حفلتين في “مسرح المدينة”. وهذا الإصرار على الإنتاج في ظروف لبنان الصعبة، يخوّلنا الجمع بين التجربتين في إطار “المقاومة” نفسها: من جهة “بلاغ رقم 2” (أسطــــــــوانة عبد الباقي)، ومن الأخرى “رح نبقى نغنّي” (أسطوانة سحّاب).
تكرّس ولادة هاتين الأسطوانتين (إنتاج Forward Productions) المشروع الموسيقي الذي بدأه الفنانان قبل ثلاث سنوات عند إصدار “بلاغ رقم 1” لعبد الباقي، و“عيون البقر” لسحّاب.
“رح نبقى نغنّي” للمؤلف وعازف العود اللبناني زياد سحّاب، سبقتها أسطوانة أولى (“عيون البقر” 2004) بعد مسيرة غنية من الحفلات أحياها سحاب مع فرقته “شحادين يا بلدنا”. زياد إبن عائلة اشتهرت بعلاقتها الوطيدة بالموسيقى الشرقية الأصيلة من خلال الأرشفة والتأريخ، تأثر بهذا الجو لكنّه كوّن شخصية موسيقية مستقلة من دون أن يبتعد عن النمط الشرقي البحت.
عبد الوهاب هو حبيبه ومثاله الأعلى، حاضر في كلمات أغانيه كما ألحانه وأدائه. كما يتلاقى سحاب مع الشيخ إمام في نظرته إلى المجتمع وخياراته السياسية ـــ الاجتماعية، ولو أنّه أقل راديكالية منه. وهو يقف، إن في ألحانه أو كلماته، على مسافة واحدة من الجدّية وحسّ الفكاهة الحاد. هكذا، يميل تارة الى الأولى وطوراً إلى الثانية، فارداً المساحة الأكبر للعب على الكلمات وبنجاح سببه شخصيّته التي تناسب هذا النمط أكثر منه مع الجدّية. ضمّت الأسطوانة الجديدة لسحّاب 12 أغنية، ومقطوعة موسيقية بعنوان “غريب”. الأغنيات قديمة غنّاها في حفلاته وصدرت إحداها “الوضع الإقليمي” في أسطوانته الأولى، فأعاد توزيعها في الثانية. يغني زياد (بالاشتراك مع ياسمينا فايد) نصوصاً كتبها باللغة اللبنانية المحكية، بالإضافة الى نصوص للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم (حصة الأسد في الأسطوانة) والشاعر الزميل محمد خير. تتناول مواضيع النصوص حالات إنسانية وجدانية عامة واجتماعية لبنانية ساخرة: ألحان شرقية، آلات التخت الشرقي وتوزيع مبسّط أكثر تطوّراً من السابق، وإيقاعات شرقية باستثناء أغنية “رح نبقى نغنّي” التي جمعت إيقاعات لاتينية (تشا تشا تشا في الجزء الأكبر من الأغنية والسامبا في الختام)، و“علّي راسك يا مدينة” وهو نشيد كتبه زياد خلال عدوان تموز وشارك في تأديته كورس بمرافقة عدد كبير من الموسيقيين (آلات نفخ نحاسية، وتريات، آلات إيقاع، بيانو...).
أمّا “بلاغ رقم 2” (2 # Communiqué) فهو عنوان الألبوم الثاني للمؤلف الموسيقي وعازف الغيتار والإيقاعات غازي عبد الباقي بعد “بلاغ رقم 1” (2004). جاءت الأسطوانة الجديدة غنية جداً في القصائد التي تحتويها والموسيقيين المشاركين فيها. لكنّ نقطة ضعفها تكمن في أنّ طريقة عبد الباقي في الأداء الغنائي ذي التلوين الغربي لا توائم النصوص الشعرية التي كُتبت بالفصحى. يعتمد عبد الباقي المزج بين الشرقي والغربي، وتحتل العناصر الشرقية من جمل موسيقية أو آلات مستعملة فسحةً أضيق من تلك التي تحتلها العناصر الغربية. لحّن عبد الباقي نصوصاً شعرية لإيليا أبو ماضي، والحلّاج وطاغور ونصاً بعنوان “انتمائي” كتبه زياد سحّاب، معتمداً على عـناوين أغنيات كلاسيكية من روائع الموســــيقى الشرقية، ومحيّياً بشكل مباشر عبد الوهاب وأسمهان وأم كلثوم. في الأسطوانة فسحةٌ للموسيقى الصامتة أكثرها تعبيراً مقطوعة “تحت الحصار”، وهي موسيقى تصويرية وردت في ألبوم “منعيش...” الذي أصدره عبد الباقي وزملاؤه بعيد عدوان تموز. كما أعاد عبد الباقي تقديم أغنيتين من كلاسيكيات أسمهان بأسلوب مختلف وهما “الجنينية” التي يؤديها بنفسه و“يا حبيبي” التي تؤديها ابنة حفيدة أسمهان ياسمينا جنبلاط. كما تشارك غادة شبير منفردة في أداء موشّح “هجر” ويشارك عبد الباقي في أداء قصيدة لطاغور.