strong> نور خالد
هناك ثلاثة مستويات في فيلم «آخر ملوك اسكتلندا» الذي يتواصل عرضه في لبنان: الواقع الذي يتناول مرحلة حكم الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين (1971 ــ 1979)، ثم الرواية التي كتبها صحافي الـ»غارديان» جيلز فودن قبل عشر سنوات، والفيلم الذي أنجزه أخيراً، كيفن ماكدونالد «مستنداً» إلى الرواية.
وبما أنّ الرواية نسجت في الأساس خيالاً يرتخي ارتباطه بالواقع حيناً ويشتد أحياناً، فالفيلم نسف الرواية وأقام خيالاً آخر. في المحصّلة، نجد أنفسنا أمام لعبة تخيّل صرفة... باستثناء حقيقة واحدة: إبادة آلاف الأوغنديين وفق منظمات حقوق الإنسان، لا استناداً إلى محاكمة للديكتاتور الذي مات في السعودية عام 2003.
بطبيعة الحال، ليس مطلوباً من السينما أن تقارب التوثيق، لكنّ التوضيح هنا واجب، طالما أنّ السينما، بحكم قوتها، باتت كاتبة التاريخ. يدّعي «آخر ملوك اسكتلندا» أنّه يرصد ملامح من شخصية الديكتاتور، من خلال رصده لصداقة متخيّلة نشأت بينه (فوريست ويتاكر) وبين طبيب اسكتلندي يُدعى نيكولاس (جيمس ميكافوي). هذا الرجل ليس موجوداً في الواقع، كما لم تصوّره الرواية كبطل أو مخلّص، إنّما جاء ذريعة درامية في سياق الرواية.
بعد مرور ساعة كاملة، سنكتشف أنّ لا إيغال سينمائياً حقيقياً في تصوير شخصية الديكتاتور، المتقلّبة بين الطفولية والوحشية، ولا تطور سيكولوجياً، يبرّر كل تلك الأعضاء البشرية التي قطعها جنوده في الغابات، ولا تجرّؤ على تحميل الاستعمار البريطاني ـــ الذي جاء بأمين الى الحكم ـــ جزءاً من مسؤولية الجرائم (هناك إيحاء بتبرئة الاستعمار). الساعة التالية من الفيلم لا يمكن وصفها سوى برحلة مغامرات لرجل أبيض وسط حفنة من السود. يضاجع زوجة الرئيس وحين يكتشف الديكتاتور حملها، يقطّعها. يقرّر نيكولاس قتله، قبل أن يكتشف الديكتاتور أمره فـ»يسلخ» جلده، ثم ينقذه رجل أسود ويطلب منه: «اذهب الى بلادك وأخبر العالم عن هذه الوحشية. أنت رجل أبيض وسيصدقونك».
كيف سيهرب البطل؟ إنها الدقائق الأخيرة من الفيلم، ولم يُهدَ بعد الى... «اسرائيل»! سيأتي الخاطفون الفلسطينيون، بكوفيتهم السبعينية «الإرهابية» ليحتجزوا طائرة تعجّ بركاب فرنسيين وإسرائيليين في مطار أوغندا. وفي تقطيع سريع بين مشاهد دم نيكولاس السائل بسبب تعذيب الجنود له في إحدى صالات المطار، وبين وجوه الخاطفين الغاضبين، يربط المخرج بين صورة هؤلاء ومعاني الإرهاب الدموية، وهو ربط خطير، وخاصة أنّ عمليات خطف الطائرات التي نفذتها جهات فلسطينية في أوائل السبعينيات (مثل طائرات ليلى خالد) لم تُرَق فيها أي نقطة دم. النهاية لا علاقة لها بالواقع ولا بالرواية. إذ يندس الطبيب نيكولاس بين المحرَّرين، ويغافل الديكتاتور عائداً الى بلاده، فيما صور أطفال أفريقيا تمرّ في باله، فيبدو حزيناً وراضياً معاً عن الدور الذي سيلعبه في «فضح» جرائم الديكتاتور، الذي كان يوماً «قرده الأبيض الصغير» الساذج!

“آخر ملوك اسكتلندا” ـــ في صالات “أمبير”