في واقع الأمر، الكلّ اعتزل ولا أحد... اعتزل فعلياً. غادة عادل ذهبت ورجعت. ميرنا المهندس، حنان ترك، صابرين، وحلا شيحا أيضاً. إضافة إلى جيل كامل سابق: سهير البابلي وسهير رمزي وشهيرة وصابرين ومنى عبد الغني... أما بالنسبة إلى الرجال، فحسن يوسف حاضر في مسلسلات الدعاة و“السلف الصالح”، ووجدي العربي مذيعاً على قناة دينية. تشغلنا الفنانات المحجّبات باعتزالهن، ثم تشغلنا مرة أخرى بعودتهن إلى الوسط الفني. صار الأمر أشبه بنكتة مملّة لكثرة التكرار. المعتزلات والمعتزلون، في كشف حساب دقيق، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد. لماذا تثار حولهم كل هذه الضجة؟ ربما المطلوب هو الضجيج. أن يطنّ حديث «الالتزام» طوال الوقت على الشاشة، أن يكون له نصيب من الثرثرة التلفزيونية والاجتماعية، وأن يتحول الى «فيروس» شائع في الهواء. قد يرى بعضهم أن القصة لا تتعدى كونهم نجوماً وخياراتهم تحت الضوء. لكن صوت شادية عاد أيضاً. أطلقت أغنية دينية. نشيد «اللهم اقبل دعايا» الذي حاز أفضل فيديو كليب في مهرجان «أوسكار الفيديو كليب» لعام 2005 ـــ وقد أدّت مشاهده الفنانة المعتزلة شهيرة وأخرجه عمر زهران ـــ يبثّ هذه الأيام بكثرة على فضائية «اقرأ» الدينية.
شكلت عودتها آنذاك مفاجأة لعشاقها. رنة الدلع التي شاخت قليلاً أصبحت بحّة مؤمن كثر دعاؤه. قبل النشيد، كانت صاحبة «شباكنا ستايرو حرير» قد تشرنقت في عزلتها. وحين أرادوا تكريمها في أحد المهرجانات أرسلت صوتها مسجلاً، أول مرة، واعتذرت في مرة أخرى. ماكينة إعلامية هادرة، أسهمت في إدارتها الفنانات اللواتي اعتزلن من دون أن يعتكفن، رسمت ملامح الصورة المتخيلة للشيخة الزاهدة التي لا تطل على الناس. أكثرت المعتزلات الكلام عن انقطاع شادية. المرأة التي علّمت أجيالاً كاملة كيف تكون الخفة طرفاً للغواية، وكيف يصبح الدلع فتنةً، صارت في خيالنا الذي تغذّيه أخبار المجلات بين حين وآخر، نموذج الطاعة الكامل ومطلق الالتزام. «اهتدت سيّدة الدلع فتنقطع». هذا هو المنطق الذي حكم «استخدام» صورتها طوال العقدين الأخيرين، «وإن قبل الله توبة ملكة الغواية الجسدية شمس البارودي، وملكة الغواية الصوتية شادية، فهو، حتماً سيقبل توبتنا جميعاً». وبعدما تنامى المدّ الديني في الشارع العربي، ظهر عمرو خالد أولاً، ثم جيوش من دعاة التلفزيون. حقق خالد استثناءً في الجماهيرية. لكنه سرعان ما دخل في مأزق «النجم الواحد». الناس تضجر وأهل السياسة ينتابهم الرعب من شخصية لها صفات «القائد». عتّم على عمرو خالد وشغل بمناكفات ونزاعات مع أنظمة ودول. برزت الحاجة إلى صورة ألطف، وتأثيرها أقل. «أوتي» من جديد بالفنانات المعتزلات. نجوميتهن لم تخمد بعد. وزنهن السياسي أقلّ خطورة، وربما لا وزن لهن. صور محببة لا تخدش «حياء» سياسياً، ولا تزعج نظاماً، لكنها تعطي لمواطن الشارع العادي والملتزم، الإحساس بالرضا.
من جديد، وتحت سطوة الضجر، برزت الحاجة إلى ورقة أقوى، وجرعة زائدة. هكذا عادت شادية لتسكننا في نوبة ضجر جديدة. أثّرت فينا وعلينا، وحين يعاودنا الضجر، يكون السؤال: وبعد؟ هل يأتون إلينا بشمس البارودي؟
نور...