القاهرة | صحيح أنّ مصر هي من أوائل الدول العربية التي عرفت السينما بعد ظهورها في فرنسا، إلا أنّ أحداً لا ينكر أن حال هوليوود الشرق في بداياتها كان شيئاً، وبعد نزوح الفنانين اللبنانيين إليها، بات شيئاً آخر. مثلاً، لم يكن للمسرح المصري تأثير جوهري قبل ظهور جورج أبيض الذي أنشأ الفرقة القومية المسرحية عام 1935، وأدى بطولة أول فيلم غنائي عربي ناطق، وانتخب كأول نقيب لممثلي مصر عام 1934.
كثيرون من الفنانين اللبنانيين مثل جورج أبيض، أسهموا في صناعة السينما المصرية والعربية، فتركوا العديد من التجارب المهمة التي أثرت في تاريخ السينما، وأيضاً اكتشفوا العديد من النجوم وقدموهم للسينما. من أوائل هؤلاء سيدة الإنتاج العربي وصاحبة أجمل عينين زرقاوين على الشاشة اللبنانية، آسيا داغر. تعد الأخيرة واحدة من رائدات السينما المصرية، إذ أنتجت ما يقارب 70 فيلماً.
آسيا داغر (1901 ــ 1986) المولودة في قرية تنورين، جاءت إلى مصر التي كانت وقتها «كوزموبوليتان» تتسع لجميع الحضارات والثقافات. في 1927، أسست شركة «لوتس فيلم» واستمرت في الإنتاج، بينما توقفت شركات إبراهيم وبدر لاما، وعزيزة أمير، وبهيجة حافظ. ولذلك استحقت لقب عميدة المنتجين وأصبحت شركتها من أقدم شركات الإنتاج السينمائي في مصر. أول إنتاج وبطولة لها كانا فيلم «غادة الصحراء». ثم تعاونت مع بدر لاما لإخراج «وخز الضمير» (1931). بعدها، تعرّفت إلى السينمائي والروائي والصحافي أحمد جلال، فأخرج لها كل ما أنتجته بين 1933 و1942 مثل «عيون ساحرة»، «شجرة الدر»، و«فتاة متمردة». لاحقاً، تزوج أحمد جلال ابنة أختها الفنانة ماري كويني وأسسا معاً استوديو جلال (يقوم بتأجيره في الوقت الحالي المخرج رأفت الميهي) وتفرغ جلال لإخراج أفلام شركته الخاصة مع زوجته. هنا، راحت داغر تبحث عن مخرج آخر، فاتجهت إلى مساعد مخرج شاب ليخرج فيلم «الشريد» عام 1942 وهو هنري بركات ذو الأصول اللبنانية أيضاً. قدم معها العديد من الأفلام ومنها «قلبي على ولدي» (بطولة كمال الشناوي وكيتي) و»من القلب للقلب» (بطولة ليلى مراد وكمال الشناوي ومحمود المليجي) و»يا ظالمني» (بطولة صباح وحسين صدقي)، و»اللقاء الثاني» (بطولة أحمد مظهر وسعاد حسني)، وفيلم «ساعة لقلبك» (بطولة شادية وكمال الشناوي). وتوالت إنتاجات آسيا وصولاً إلى فيلم «الناصر صلاح الدين» للمخرج الشاب آنذاك يوسف شاهين. للأسف لن تجد الكثير من المراجع التي تؤرخ لحركة الإنتاج وإسهامات المنتجين من جنسيات أخرى في صناعة السينما المصرية. هذا ما يؤكده السينمائي اللبناني جورج نصر قائلاً: «تحول الموزعون اللبنانيون الذين تمرّسوا في توزيع الأفلام المصرية في الخمسينيات إلى منتجين، ووصل عدد الأفلام اللبنانية - المصرية المنتجة سنوياً إلى 25، ولكنها كانت بلا هوية أو جنسية».
لم يقف الإنتاج اللبناني ـ المصري عند حد تصوير أفلام مصرية بأموال لبنانية في بيروت. امتد التعاون إلى مجيء المنتجين اللبنانيين إلى مصر وتكوين شركات داخل مصر، ما نتج منه عدم القدرة على تصنيف الأفلام، هل هي أفلام مصرية أم لبنانية بما أن الإنتاج لبناني؟ لذلك كان لا بد من الحصول على شهادة تاريخية على تلك الفترة من النجمة نادية لطفي التي تمتلك ذاكرة تحسد عليها. تقول لـ»الأخبار» إنّ «جون خوري من أكبر المنتجين الذين أثروا السينما المصرية بتجارب متنوعة، وكان يمتلك شركة «الشروق» وكانت تنافسه في السوق شركة «دولار» ومقرهما في ذلك الوقت كان في شارع رمسيس». وتضيف: «أهم ما ميز شركة خوري أنه عند اكتشافها لنجم معين، كانت تمهد له الطريق بالتعليم والدراسة السينمائية الصحيحة، ثم الدعاية والإعلان، ليصبح ممثلاً محترفاً. وهذا ما كانت تفعله مع الكتّاب مثل الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وسبق للشركة أن قدمت قبلي النجمة لبنى عبد العزيز».