خليل صويلح
يحار المرء أين يضع أعمال سارة شمة في أرشيف المحترف السوري الجديد. فهذه الفنانة الشابة اقتحمت الساحة التشكيلية السورية بمقترح مختلف ونافر منذ إطلالتها الأولى قبل سنوات. إنها تشتغل في منطقة تعبيرية ملتبسة، هي مزيج من الواقعية الصرفة في اقتناص موضوعاتها، مثلما هي تعبير صريح عن آخر صرخات الـ“بوب آرت”. وأحياناً تقترب من تقنيات الملصق الإعلاني.
سارة شمة في معرضها الذي تستضيفه حالياً صالة “آرت هاوس” في دمشق، لم تغادر منطقتها الأولى في اكتشاف إمكانات الـ“بورتريه” عبر تحطيم ثبات اللقطة وتحويلها إلى ساحة للأحلام. بورتريهات شخصية تكاد تقارب الصورة الفوتوغرافية في دقة ملامح الجسد. إلا أنّ نظرة متأملة في تضاريس الوجه تكشف عن عناصر جوانية تبطن انفعالات صاخبة واحتجاجات عنيفة.
ترسم سارة شمة نفسها في الدرجة الأولى. تدخل نفق الذات ومتاهات الجسد وتستحوذ على انفعالاتها روح حسية تصدم المتلقي بجرأتها وقوة خطوطها في عملية بناء وهدم، كي ترمم أرواح شخصياتها المهشمة والمضطربة والقلقة. وهي تنبش بعنف ما هو مسكوت عنه، وما هو غائم ومتوارٍ. عندما ترسم سارة نفسها، وهي تفعل ذلك غالباً، لا تتقيد بالمحظورات، كأنما تفكر بصوت عالٍ. وإذا بالأشواق النائمة تنهال من منطقة سرية في الأعماق، فتفرش سطح اللوحة بشحنات مضيئة لكائناتها، في لحظة ولادة عسيرة ومدهشة معاً.
هكذا تتجاور حالات بصرية متنافرة للوهلة الأولى، لكنها سرعان ما تلتقي عند النقطة ذاتها التي انطلقت منها. نقطة السؤال عن معنى الجسد وحركة اليدين ومرآة الذات في حكايات تبدو كما لو أنها تبدأ من دون مقدمات ولا ترغب بالوصول إلى نهايات صريحة. ليس مستغرباً إذاً، أن يختفي فجأة أحد عناصر الوجه بمشاغبة لونية قد تصل إلى تخوم السوريالية. وفي لوحات أخرى تحّلق الأنثى بأجنحة شفافة إلى فضاءات رحبة، مستعيرةً أجنحة الفراشات، قبل أن تحترق بالنور.
لا تغادر شمة روح الشعر وتهويماته، في سردها اللوني العنيف، طالما أنها تتبع حدسها أولاً في تركيب الجملة اللونية بضربات متناغمة وسريعة، إلى أن تبلغ الافتتان البصري الذي يصدم العين والذائقة. ولعل المتتبع لمسيرة هذه التشكيلية، سيجد منعطفات واضحة في تجربتها، سواء على صعيد التقنية أو في مراودتها الألوان الحارة لاستنباط رؤى جديدة في معنى النشوة الجسدية والروحية. هذا ما تعلنه أعمالها الأخيرة التي رصدت خلالها أحوال الدراويش في رقصة المولوية. إذ تعتمد حركة دوران الجسد في خطوطها وألوانها، كأنها تستدعي قصائد الحلّاج وابن عربي في أقصى حالات الشطح الصوفي. هذا الوجد يجد مسالكه الخطية في اللوحات الجدارية خاصةً، من دون أن تفقد ريشة سارة سيطرتها على مساحة اللوحة وقدرتها على إشباع الفراغ بمغامرة بصرية أخّاذة.