مهى زراقط
انشغال «حزب الله» بالمعركة السياسية الداخلية، لم يبعده عن الجبهة الإعلاميّة في المواجهة مع العدوّ. للتأكّد من ذلك، تكفي مشاهدة الكمّ الوافر من الإعلانات الترويجية والتقارير التي تنفرد بها قناة «المنار»... وتستند بشكل أساسي إلى وسائل الإعلام الاسرائيلية

“أوهن من بيت العنكبوت”، “الهزيمة بين قيل وقال” “بيريتس والمنظار المقفل”... هذه نماذج عن إعلانات ترويجية تبثّها “المنار”، مصحوبةً أحياناً بمقتطفات من برامج حوارية اسرائيلية، تناقش ما تذيعه القناة أو تستشهد بما تورده من “حقائق” تدحض ادعاءات مسؤولين اسرائيليين، ولا سيما رئيس الحكومة إيهود أولمرت.
الترجمة عن العبرية وإليها ليست طارئة على “المنار”. يتذكر اللبنانيون جيّداً الرسائل التي كانت توجّهها المحطة إلى المستوطنين الاسرائيليين بإخلاء مستوطناتهم خلال عدوان “عناقيد الغضب” عام 1996، ردّاً على تهديدات ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” لأبناء القرى الجنوبية بإخلاء قراهم ومنازلهم. ومن منّا لا يتذكر الجملة الشهيرة لرئيس وزراء اسرائيل السابق إسحق رابين “لقد هزَمَنا حزب الله” بعدما ترجمتها “المنار” وحوّلتها “كليباً” دعائياً يرافق مشاهد لعمليات المقاومة الاسلامية الناجحة؟ غير أن الجديد في “المنار” يبرز في تخصيص مساحة واسعة نسبياً من نشرة الأخبار لما تورده وسائل الإعلام الاسرائيلية. إذ لم تعد الترجمة عن العبرية تقتصر فقط على اختيار مقتطفات تناسب الحملات الدعائية التعبوية بقدر ما باتت تحمل طابعاً إخبارياً. هذا ما يؤكّده عاملان في قسم الترجمة في المحطة، هما أحمد عمّار وحسن حجازي، الشابان اللذان قضيا 14 سنة في السجون الإسرائيلية حيث تعلّما اللغة العبرية التي يصفانها بـ“غير السلسة”.
لكن أحمد وحسن مضطران إلى التعامل معها بسبب الاهتمام الخاص الذي توليه “المنار” لتغطية الشأن الاسرائيلي، ما يطرح السؤال عن سبب هذا الاهتمام، والفئة المستهدفة من هذه المادة الإعلامية؟ ويجيب حسن بأن الهدف هو “إيجاد توازن في الصورة المختلّة في الوطن العربي عن المجتمع الاسرائيلي. هناك جهل كبير في هذا الموضوع على رغم أنه سبب كلّ أزماتنا. ودورنا هو أن نقدّم صورة حقيقية للمشاهد العربي عنه”. ويؤكد حسن أهمية هذا الدور من خلال ردود الفعل التي تثيرها التقارير: “انتبهنا إلى أنها تشكّل رأياً عاماً مختلفاً”. وينتقد في هذا الإطار الخدمة التي تقدمها وسائل الإعلام العربية الأخرى من خلال استضافتها متحدّثين اسرائيليين: “يقولون شيئاً للعرب ويقولون عكسه على شاشاتهم. هناك خلل يؤسس لرأي عام عربي خاطئ وهذا ما نحاول أن نصحّحه”. مخاطبة المشاهد العربي، إذاً الجمهور المستهدف هو العرب؟ “بالطبع، فمحطتنا عربية، أنا لا أفكر بالجمهور الاسرائيلي لأنه لا يشاهدنا أصلاً. المختصون هم من يشاهدنا فقط، وإن كان الترويج يتوجه إليهم بين وقت وآخر برسائل لها طابع دعائي”. هذه النقطة تطرح سؤالاً آخر عن طبيعة الرسائل الدعائية التي تقدّمها “المنار”، والانتقائية التي قد تطبع اختيارات فريق الترجمة في قسم الأخبار. وهذا ما يرفضه أحمد عمّار “لسبب بسيط جداً، هو أن الاسرائيليين لا يتركون لنا أي مجال لنتلاعب بما يقدمونه، ونحن لا نبذل أي مجهود خاص من أجل الدعاية. الانتصار الذي حققته المقاومة في الحرب الأخيرة لا يزال يرخي بظلاله على المجتمع الاسرائيلي، وهم لم يتجاوزوه بعد”. وما يفعله هو وزميله حسن ليس أكثر من “نقل الواقع الذي يحكي عنه الاسرائيليون بصراحة”. هذا بخلاف الوضع الذي ساد خلال الحرب الأخيرة “وتحوّلت معه اسرائيل إلى دولة ديكتاتورية لجهة التعتيم الشامل على المعلومات وانخراط كل الوسائل الإعلامية في المعركة”.
أحمد وحسن لم يدرسا الإعلام، ولم يحصلا على شهادات جامعية بسبب سنوات الأسر الطويلة، لكنهما وجدا لهما مهنة متخصصة في المجال الإعلامي شكّلت اللغة العبرية عمادها، بالإضافة إلى تمتّعهما بحسّ الصحافي الباحث عن المعلومة لأن “السياسة كانت خبزنا اليومي في المعتقل”.
لا يخفي الشابان أن غياب الخلفية الإعلامية سبّب ارتباكاً في بدايات عملهما: “كنا نكتب الخبر بسذاجة” يقول أحمد، قبل أن يتملّكا مع الوقت مختلف التقنيات التي تتيح لهما تقديم الخبر بالطريقة الأفضل ومنها: “اختيار الخبر وكتابته باختصار، الابتعاد عن الذاتية، وعلى الصعيد التقني صرنا نهتم بإبراز صوت المتحدّثين الاسرائيليين لمزيد من الصدقية”، بل أكثر من ذلك، تبلورت الرؤية الإعلامية لديهما وتطورت إلى مرحلة النقد. وهما يؤكدان على حاجة كل وسائل الإعلام العربية إلى قسم يتابع الإعلام الاسرائيلي والشأن الاسرائيلي الداخلي، “لأن المتابعة الإعلامية تهيّئ الرأي العام ولا يعود يشعر بأن الأحداث مفاجئة بالنسبة إليه”. ويحملان الكثير من الأفكار لتطوير عملهما خارج إطار النشرات الإخبارية “الخدمة الإخبارية غير كافية. الوقت المتاح لنا بالكاد يكفي لتغطية الحدث علماً بأن خلفياته تحتاج غالباً إلى الكثير من المعلومات التوضيحية”. ويضيفان: “هناك مواضيع يمكنها ان ترد في إطار برنامج خاص، مثل تركيبة الأحزاب عندهم، أو البحث في خلفيات شنّ اسرائيل عدداً من الحروب. قد يكون هناك مشروع تسوية معينة فتشنّ اسرائيل حرباً فجائية، ويكون السبب مبنياً على حسابات داخلية لها علاقة بالانتخابات مثلاً. التركيبة الاسرائيلية معقدة إلى حد يجعل من كشف خفايا هذا المجتمع ضرورة”. في ظل غياب مراكز أبحاث تعنى بالشأن الاسرائيلي، وغيره، يولي حسن وأحمد أهمية كبيرة للخدمة الإعلامية التي يقدمانها لأنها تؤدي دوراً أساسياً في توعية الرأي العام العربي واستنهاضه.