strong> إسماعيل طلاي
في زحمة التنافس الإعلامي بين الفضائيات العربية، يغضّ القيّمون على هذه المحطات، غافلين أو متعمّدين، الطرف عن التدهور المستمرّ لمكانة الفصحى في البرامج. كل شيء يسير نحو التطوّر في الفضائيات من تقنيات وبرامج، إلا لغة الضاد، تمضي إلى الزوال أمام طغيان اللهجات المحلية.
قبل شهر مثلاً، احتفل العالم بـ“اليوم العالمي للغة ـــ الأمّ” الذي يصادف يوم 21 شباط (فبراير) من كل عام. وباستثناء الندوات الفكرية والأدبية التي عقدت هنا وهناك في الدول العربية، وغلبت على معظمها لهجة “الرثاء” على مكانة اللغة العربية ومستقبلها المخيف، مضت الذكرى عابرة في معظم الفضائيات العربية. كأنها “استحت” أن تفتح نقاشاً حول مكانة “الفصحى” التي “تُعدم” آلاف المرات يومياً على “مقصلة” الفضائيات العربية. أكثر من مئتي فضائية تتنافس اليوم في سماء الوطن العربي، لم تبادر أيّ منها إلى فتح نقاش موضوعي أو تخصيص “وقفة” تأمّلية حول واقع لغة الضاد. ولم تمارس حتى “نقداً ذاتياً” حول مسؤوليتها في تراجع استعمال الفصحى في معظم البرامج، باستثناء “نشرات الأخبار” تقريباً، مقابل هجوم كاسح للّهجات المحلية.
من هنا، راهنت قناة “نسمة تي في” المغاربية التي انطلقت أخيراً على تميّزها. بعثت رسائل واضحة، فحواها أنّ القناة “جادة” في نزعتها “لردّ الاعتبار” و“الانتصار” للهجات المغاربية على حساب الفصحى. وقالها نبيل قروي، المسؤول عن “قناة نسمة” برفقة شقيقه، بصريح العبارة: “ستسهم القناة في التعريف باللهجات المغاربية للمواطن في المشرق العربي. وكما تعلّمنا اللهجات اللبنانية والمصرية والخليجية، فلن يقول أحدهم بعد الآن إنه لا يمكن لأهل المشرق والخليجيين فهم اللهجات المغاربية”.
وبالفعل، يبدو أنّ القناة التونسية التي تبثّ من باريس، واختير لها شعار “لا غربية، لا شرقية، مغاربية”، تسير في اتجاه منطق “الانتقام” من “الفضائيات العربية التي تلبننت وتمصرنت”، على حدّ قول قروي.
في الجهة المقابلة، يبدو طغيان نزعة الحديث باللهجات المحلية جلياً يوماً بعد يوم في الغالبية الساحقة من الفضائيات التي تبثّ من المشرق والخليج. هكذا تفعل اللبنانية جيزيل خوري في برنامج “بالعربي” على “العربية”، والمصري محمود سعد في برنامج “اليوم السابع” على MBC أو الكويتية حليمة بولند على “روتانا”. لكم أن تتصوروا مستمعاً مغاربياً متابعاً للشأن اللبناني مثلاً، أنىّ له أن يفقه شيئاً من برنامج لبناني يعرض على الفضائيات، ومقدمته تلوك طوال ساعة كاملة بكلمات محلية مثل “كرماله” أو “الزلمي” أو “ينفقس”! وكذلك الحال بالنسبة إلى البرامج الحوارية التي يديرها خليجيون، أو حتى مذيعو المغرب العربي، حينما ينطقون بكلمات من قبيل “شحال” أو “بزاف” أو “بادا نغدا”، وهلمّ جرّا من المصطلحات التي يستحيل على مستمع المشرق والخليج أن يفهمها!
وفي وقت يعدّ أرباب المشهد العربي قنوات باللغة الإنكليزية لإيصال مضمون البرامج إلى الغرب، في إطار ما يسمى “تصحيح نظرة الغرب الخاطئة إلى العرب والمسلمين”، نسي هؤلاء ضروة البحث في توظيف “مترجمين” من اللهجات المحلية إلى الفصحى. زبدة القول: لئن كان التوظيف في الفضائيات الفرنسية والإنكليزية على سبيل المثال لا الحصر، يفرض على الممتحن إتقان اللغة الأمّ لبلد القناة، فإن “امتحان اللغة العربية” لم يعد، على ما يبدو، مدرجاً في استمارة الترشح للوظيفة إلا من باب “الرمزية” والبروتوكول لا غير!