strong>أثار العرض الذي قدّمه أخيراً قاسم حداد ومارسيل خليفة ردود فعل متباينة في البحرين. وقرّر البرلمان البحريني فتح لجنة تحقيق بعدما اتُّهم «مجنون ليلى» (راجع «الأخبار» عدد 13 آذار 2007) بخدش الحياء... بينما أصدرت جمعيات المجتمع المدني في البحرين بياناً تضامنياً مع الفنانين. وفي ما يلي بيان من الشاعر البحريني والموسيقي اللبناني حول تلك القضية
عندما ذهبنا إلى التراث العربي بحثاً عما يضيء حاضرنا، ونستعيد به ما نسيناه وما افتقدناه في حياتنا الراهنة، نعني الحب، جلبنا درّة الحب الخالدة، شعلة الوجد التي لا تخبو جذوتها ما دام هناك عاشق أو عاشقة يتنفّسان الحب. جلبنا حكاية من ذابَ ــ وقيل من جُنّ ــ حباً، وقمنا بصقل الحكاية بما تيسّر لنا من شعر وموسيقى وغناء ورقص ودراما. وما كان لدينا غير مطمحٍ واحدٍ: أن نحرّض الناس على الفرح لا الغياب، على الحياة لا العدم. كانت غايتنا أن نعبّر عن العاطفة الإنسانية في أبهى تجلّياتها وأنقاها، وأن نمجّد الجدير بالتمجيد: الحب. أبداً لم تكن غايتنا أن ندغدغ الغرائز الأدنى عند جمهور جاء، بكل براءته وثقته وفطنته، ليعرف ويستمتع ويفتح قلبه على سعته، بلا موقف مسبق، بلا ضغينة، ولا أحكام. جمهورٌ بيننا وبينه ميثاقٌ من الاحترام المتبادل، لا يمكن أن نحطّ من قدره بتقديم ما هو فجّ ومسفّ ومبتذل. لكن أبداً لم يخطر ببالنا أن ما نقدمه من عرض نظيف وبريء، ومتجرّد من النوايا السيئة والخبيثة، سوف يتم تأويله ــ غيابياً ــ بخلاف ما هو مقصود، وسوف يرى فيه حماة الدين والأخلاق والطهارة عملاً فاحشاً ومعيباً، وسوف يرون فيه خروجاً على الشريعة الإسلامية والأخلاق العامة.
إن محاولة نواب الكتل الإسلامية وأتباعهم التصدي لعمل “مجنون ليلى”، ولكل فعاليات “ربيع الثقافة” في البحرين، وتأليف لجنة تحقيق في ما يسمونه خروجاً على الشريعة، مثل هذه المحاولة لا ننظر إليها بوصفها رغبةً في تصفية حسابات سياسية أو شخصية، بقدر ما ننظر إليها، عميقاً، كمحاولة مقصودة، ومنظمة، لإرهاب كل أشكال الفكر والثقافة، وقمع كل مسعى إبداعي. الثقافة الحرّة، الرافضة للامتثال، هي المستهدفة.
إنه دفاعٌ باطلٌ، عقيمٌ، مشكوكٌ فيه، عن دينٍ لا يستمد قوته وعظمته واستمراريته من العنف (اللفظي والبدني) الذي يمارسه فقهاء الظلام وتجار الفتاوى، بل مما يدعو إليه من تعايش وتسامح ومحبة. دينٌ، في جوهره، قائمٌ على الحوار والاجتهاد. دينٌ لا يحتاج إلى دم شاعرٍ أو صمت أغنيةٍ كي يحافظ على بقائه، لا يحتاج إلى صراخ وانفعال وتشنّج في الدفاع عنه. إنها دعوة صريحة ومباشرة للانغلاق، لمصادرة حق الآخر في التعبير، لإنكار تعددية الأصوات، والمفارقة أن تنطلق هذه الدعوة من موقعٍ (برلمان) يُفترض فيه أن يكون منبراً لمختلف الأصوات والاتجاهات. إن مثل هذه الدعوة لا تحتقر الإنسان الحر، الراغب في المعرفة والمتعة، لكنها تحتقر أيضاً بلداً متحضّراً ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين. لذا يحق لنا أن نتساءل: هل يليق بوطن متحضّر أن يمثّل شعبه نوّابٌ يتوهمون امتلاك السلطة.. سلطة المنع والكبح والمصادرة؟ نواب ترتعد فرائصهم كلما لاحتْ في الأفق قصيدة أو أغنية لا تمتثل لشروطهم فيستنفرون الكراهية والتعصّب؟ نوابٌ يرون الشيطان الرجيم يسكن في كل أغنية أو رقصة أو مشهد أو نص؟ نوابٌ يظنون أن الله يبسط لهم وحدهم جناحَ الرحمة ويعادي الآخرين؟ نوابٌ ليس من مهمات (مجلسهم) أن يعطي شعباً برمّته درساً في الأخلاق، ولا لأحدٍ منهم أن يعلّمنا الوطنية. ما يحدث هنا، حدث ويحدث في أراض عربية متفرقة.. بشكل أو بآخر. المثقف العربي متّهم دوماً، أو عرضة للاتهام في أي وقت، ما دام يبدع. لذا هو ليس مطالباً بأن يبدع فحسب، بل أن يدافع أيضاً عن إبداعه ضد قوى القمع المتربّصة به عند كل منعطف.
يحق لنا هنا أن نحيّي ونعانق جميع القلوب العاشقة والعقول الحرة، التي عبّرت عن تمسّكها الجميل بالحب وبالحرية، مسألتان لا يمكن التفريط بهما كلما تعلق الأمر بالحياة والإبداع، نريد أن نقدّر الموقف الحضاري الواضح والجريء، مطمئنين إلى أن ثمة مستقبلاً جميلاً لا يمكن أحداً منعنا من الذهاب إليه أحراراً، وبمختلف اجتهاداتنا الفكرية والفنية. نضم صوت شعرنا وموسيقانا إليكم، لنقول لهم معاً: ارفعوا أيديكم عن حناجرنا.

20 آذار (مارس) 2007