نور خالد
بشهادة نقاد الستينيات، وحتى اليوم، لا يزال كل من شاهد “أم العروسة” لعاطف سالم (1963) يرشح تحية كاريوكا لجائزة عالمية في التمثيل. في الثامنة والاربعين من عمرها، لعبت الراقصة الراحلة دور أم العيال السبعة. بدت قوية وقديرة. صورة مختلفة عن الأم العطوف المغلوب على أمرها، تلك التي يغافلها الابناء أو يعاملونها بجحود، وهي المتفانية. هذه السمة التي ميزت أدوار أمينة رزق، أشهر أمهات السينما المصرية، على مدى ستة عقود وأكثر.
في “أم العروسة”، جسّدت كاريوكا دور الأم التي تضغط على زوجها (عماد حمدي)، المناضل من أجل تأمين احتياجات الابناء، وتوفير زفاف “يشرّف” ابنته الكبرى، أمام الجيران وأهل الزوج. بدت نموذج الأم التي تريد مجاراة متطلبات العصر الحديث من دون التخلي تماماً عن التقاليد التي نشأت عليها. قدم سالم قصة عبد الحميد جودة السحار، بما يتناسب مع طابعها الكوميدي الرشيق. بدت الكاميرا، وهي تدور في حنايا البيت، وتصعد السلالم أو تهبطها، رشيقة أيضاً ودمها خفيف. ثمة شيء من الكوميديا السوداء في الفيلم الذي ظهر في وقت كانت السينما فيه تمجد البطولات وتركز على قصص المقاومة الشعبية. إنه العام الذي شهد بداية سيطرة المؤسسة الحكومية على السينما، عندما قدّم محمد سالم أول أفلام “القطاع العام” وهو “القاهرة في الليل”. وعُرض فيلما “الناصر صلاح الدين” (يوسف شاهين) و“لا وقت للحب” (صلاح أبو سيف)، في الصالات جنباً الى جنب مع “أم العروسة”.
لم يفشل الفيلمان، لكن نجاح عاطف سالم الكبير في “أم العروسة” كان دليلاً على عدم رغبة الجمهور بإهمال أفلام الكوميديا التي ميّزت حقبة الاربعينيات والخمسينيات، لمصلحة أفلام البطولات التي مجدت الصورة الناصرية ومفاهيمها. “الزوجة رقم 13” لفطين عبد الوهاب، كان قد أعطى الاشارة ذاتها، بنجاح كبير أوصله الى مهرجان فينيسيا، في العام الذي حقق فيه سالم “ام العروسة”. لعلّه رغب في نجاح عالمي مماثل، لكنّ الفيلم حصل على جائزته لاحقاً من المركز الكاثوليكي للسينما. كاريوكا لم تحصل أيضاً على جائزة، وكتب العديد من نقاد السينما آنذاك أن حظها مع “النجومية العالمية” متعثر. إذ كان من المقرر أن تمثل فيلماً في هوليود في عام 1948، لكنه توقف بسبب مشادة حصلت بين كاريوكا والنجمة الاميركية اليهودية سوزان هيوارد. آنذاك، اجتاحت اسرائيل فلسطين، فـ “ردحت” كاريوكا لهيوارد، في نيويورك، رداً على اساءة الأخيرة الى العرب في حديثها.
وبالعودة الى أحداث الفيلم، نتابع قصة حسين، وهو موظف متوسط الحال (عماد حمدي)، أنجب سبعة أولاد (بينهم سميرة أحمد والطفلة آنذاك دينا عبد الله)، وهو سعيد بهن على الرغم من كثرة أعبائهن. تعقد ابنته الكبرى خطبتها، وتترتّب عليه التزامات كثيرة. ترهق أم العروسة زوجها بالطلبات، ويخضع الأب للتقاليد الموروثة، ويجد نفسه غارقاً في الديون، فيقدم طلب استبدال معاش حتى يتمكن من سداد هذه الطلبات. لكن الروتين الحكومي يؤخر صرفه فيأخذ من عهدته على أن يسددها فيما بعد. يقوم صديقه بتسديد قيمة العجز حتى لا يتسبب في اتهامه بالتبديد، وتتزوج ابنته وتخطب الفتاة الأخرى... يذكر أخيراً أن ظهور حسن يوسف ويوسف شعبان في الفيلم أشاع أجواء من الكوميديا المحببة.

23:00 على “روتانا زمان”