ربيع مروّة على الموقع النقيض من المسرح السائد، كما يمارسه فنانون كبار مثل الفاضل الجعايبي. لقد قطع نهائيّاً مع البعد الثالث للخشبة. ألغى عمق المسرح، تاركاً للشاشة أن تكون البعد الثالث. ألغى “التمثيل” مستعيضاً عنه بالقول، بالكلام، بالسرد، بالتوجّه إلى الصالة بضمير المتكلّم (“المحاضرة” أحد القوالب الجماليّة الأساسيّة التي أشتغل عليها). لم يعد الشغل على الجسد، كما هي القاعدة في المسرح الطليعي العربي، بل على الصورة، كما توضح شريكته لينا الصانع في بحث لافت عن تجربتهما قدّم أخيراً في بيروت. الحركة ليست بالضرورة على المسرح، بل في مكان آخر... على شاشة غالباً، على شاشات عدّة. إن وسائط الاتصال المتعددة Multimedia، تكاد تكون حجر الأساس في عمارته المشهديّة. وأقلع مروّة عن كل نزوع إلى “الروائي” (شخصيات وحبكة وقصة...)، ليعتمد “الوثائقي” شكلاً ولغةً، تقنيّة وأسلوب عمل. رأينا في أكثر من عمل له كيف يشتغل على الأرشيف، وكيف يشكّل هذا الأرشيف المادة الأساسيّة للعمل. لكن كل فنّه في المونتاج، في طريقة تقديم المادة الوثائقيّة، والتلاعب بها (manipulation)، وإعادة توليفها... ولعلّ مسرحيّته “البحث عن الموظّف المفقود” (٢٠٠٣)، تشكّل نقطة ذروة في هذا السياق. الممثل ــ الفنان دائماً هنا، بصفته الشخصية التي تنحرف شمالاً ويميناً. في لحظة سحريّة ما، يحصل الانزياح، يبدأ الخلط بين الحقيقي والمزيّف، بين الواقعي والمتخيّل، بين التسجيلي والمركّب. العرض عند مروّة تركيب أساساً. يأخذ الصورة، يفكّكها ثم يعيد تركيبها بعناصر أخرى. إنّه الفنّ المعاصر بامتياز. وربيع مروّة هو الرجل الذي صالح المسرح اللبناني مع الفنّ المعاصر. هذا ليس مسرحاً... يقول المتمسّكون بمعايير مرحلة أخرى. مسرحيّة “بيوخرافيا” (٢٠٠٢) جاءت رداً على تلك الاعتراضات. لينا الصانع تحاور صوتها، وتعدّل في الواقع لحظة حدوثه... قبل أن تنسحب تاركةً لصورتها على شاشة الفيديو أن تواصل عنها. “هذا ليس مسرحاً”، يجيب ربيع مروّة، ولكن بالمعنى الماغريتي (نسبة إلى لوحة ماغريت الشهيرة) الكامل لهذه العبارة!