strong>القاهرة ــ محمد خير
  • التمويل الخليجي للسينما المصرية: فتّش عن الخلل


  • «روتانا» تُنتج ربع الأفلام المصريّة. ومع ذلك لا يجد أمثال داود عبد السيد وخيري بشارة ويسري نصر الله... مصادر تمويل وتوزيع لأعمالهم. رأس المال الخليجي وظيفته اليوم خدمة الفضائيات. لكن حبّذا لو يرقى «إنتاج الفضائيات» الحالي إلى «سينما المقاولات» في ثمانينيات القرن الماضي


    يتهم كثيرون رؤوس الأموال العربية بإفساد السينما المصرية، ويُتّهم التمويل الخليجي تحديداً بأنه وراء الظاهرة التي سمّيت “أفلام المقاولات”. وهي الظاهرة التي سادت في حقبة الثمانينيات، وأدت إلى طفرة في “كمّ” الإنتاج السينمائي المصري. لكنّ “الكمّ” في معظمه كان ينتمي إلى عالم الفيديو أكثر منه إلى عالم السينما.
    اليوم، تعود الظاهرة من جديد، وإن مع اختلافات واسعة. حلّت سوق الفضائيات (وجمهورها) محل سوق الفيديو و(جمهوره). تغيّرت الصورة الكلاسيكية السائدة للمموّل الخليجي: “رجل يرتدي دشداشة ومعه زكيبة نقود يودّ مضاعفتها سريعاً”! رأس المال الآتي من الخليج مصدره اليوم مؤسسات إعلامية ضخمة، تدخل السوق السينمائية وتسيطر عليها تدريجاً. استراتيجية جديدة تقوم على حسابات دقيقة وطموحات ضخمة، لا تهتم كثيراً “للمحظورات” الخليجية التقليدية التي طالما حكمت سوق الفيديو. فالفضائيات تبثّ عبر الأثير، وسيلتقط إرسالها الجميع حتى لو كان البطل يحتسي الخمر أو كانت البطلة بنت ليل. بل إن السينما على الأقل تضع تلك المَشاهد في سياق درامي، في مقابل فيديو كليب يعتمد في “معظمه” على العري والإثارة الجنسية. وذلك “المعظم” هو خليجي التمويل أيضاً. هل تغيّرت طبيعة المموّل الفني الخليجي إذاً؟
    هنيدي بـ٥ ملايين! الغريب هنا أنّ صاحب شركة “ألباتروس” كامل أبو علي هو مليونير ينتمي في الأصل إلى عالم شركات السياحة، وقد انتقدته الصحافة لاكتفائه بدور المنتج المنفذ، واتهمته بأنه لا يريد المخاطرة بأمواله. هذا الاتهام طاول منتجين آخرين، منهم وائل عبد الله صاحب شركة “أوسكار”، أحد ثلاثي شركات مجموعة “الفن السابع”، التي تضم أيضاً “النصر” و“الماسة”، بل إن الشركات الثلاث أعلنت معاً تأسيس شركة مساهمة جديدة هي “الشركة المتحدة للإنتاج الفني” برأسمال قدره مئة مليون جنيه (18 مليون دولار). ومن المنتظر أن تضم إليها شركات إنتاج أخرى أبرزها “الإخوة المتحدون”.
    يمكن القول إنّ الشركة التي تنوي إنتاج عدد كبير من الأفلام، هي حصان طروادة للمال الخليجي. ففضلاً عن تحكّم أبرز شركاتها في سوق التوزيع، فإنها تنهض لتؤسس كياناً ضخماً في مواجهة كيانين أحدث عمراً وأثقل تمويلاً، هما “غود نيوز” لعماد الدين أديب، و“العربية” التي تديرها إسعاد يونس... في الوقت الذي يقترب فيه الملياردير نجيب ساويرس شيئاً فشيئاً من ساحة السينما، مستطلعاً إمكانية الإنتاج، وبادئاً بقناة “أو سينما” التي ينطلق بثّها بعد أشهر قليلة على الأرجح.
    قناة “روتانا” ليست الجهة الخليجية الوحيدة على ساحة الإنتاج السينمائي في مصر، إنّها فقط الأكثر جرأة في حجم الإنتاج. بينما تكتفي “إيه آر تي” بالمشاركة في التمويل مقابل التوزيع الخارجي. وتفكر كل من شركة “دبي” ومحطة “إم بي سي” جدياً في الدخول إلى مجال الإنتاج السينمائي بعد التلفزيوني، في الوقت الذي ضاعفت فيه شركة “شعاع” الليبية رأس مالها عدة مرات، لمشاركة أوسع في السوق المصرية والعربية. وكان أبرز أعمال شركة “شعاع”، فيلم “أرض الخوف” للمخرج داود عبد السيد من بطولة الراحل أحمد زكي، “أولى ثانوي” لنور الشريف وميرفت أمين، علماً بأنّ “شعاع” مملوكة للحكومة الليبية وقد توقفت سنوات نتيجة مشكلات إدارية، لكنها تعود مع فيلم “ألوان السما السبعة” للنجمة ليلى علوي. تساؤلات عن المستقبل وعلى رغم الطفرة الإنتاجية الواضحة التي يسهم المموّل الخليجي بنسبة كبيرة في صنعها، لا يبدو المشهد مطمئناً للسينما المصريّة. هناك أسئلة كثيرة مطروحة: لماذا يجلس كل من داود عبد السيد وخيري بشارة في منزليهما؟ ولماذا تأخر تصوير “جنينة الأسماك” الفيلم الجديد ليسري نصر الله أكثر من سنة ونصف سنة، نتيجة غياب التمويل؟ ولماذا تأجل عرض فيلم محمد خان “شقة مصر الجديدة” مرات عدّة، حتى بدأ عرضه قبل أسبوع واحد فقط؟ علماً بأنّ خان أيضاً جلس في بيته عدداً لا بأس به من السنوات. وهو حتى الآن لم يحصل على فرصة لعرض فيلمه “كليفتي” بطولة باسم سمرة الذي صوره كاملاً بتقنية الديجيتال.
    في تلك الأثناء يتحمّس المنتجون لأعمال مخرجين شبان، من الوجوه الجديدة التي لا تطلب أجوراً كبيرة، ولا تشترط موازنة محددة ولا تختار أحياناً حتى السيناريو. المهم أن تدور الكاميرات، وأن يُصوّر المزيد من الأفلام الخفيفة التي لا تسبّب عسر الهضم. كل شيء مدروس لإبقاء شعلة الفضائيات متوهّجة.
    هل تجوز المقارنة إذاً بين التمويل الخليجي الحالي وزمن أفلام المقاولات؟ إن التاريخ يقول إنه في ذروة إنتاج المقاولات، استطاع جيل الثمانينيات أن يصنع عدداً من أجمل أفلام السينما العربية، مثل “البريء”، و“الحرّيف”، و“سواق الأوتوبيس”، و“الحب فوق هضبة الهرم”، و“حب في الزنزانة”، و“أحلام هند وكاميليلا” وكثير غيرها. استطاع ذلك الجيل الجالس الآن في منزله أن يستثمر “الكمّ” لمصلحة الكيف، فهل ترقى فضائيات القرن الحادي والعشرين إلى مستوى مقاولات الثمانينيات؟