بشير صفير
في البدء كان الإيقاع. من الناحية النظرية، الإيقاع هو قاعدة أي شكل من أشكال الموسيقى، وضابط علاقة الصوت النغمي بالزمن. ومع ذلك، قلّما نجد تجارب مستقلة، وخصوصاً لموسيقيين يعزفون آلة إيقاعية. في لبنان، برزت بعض الأسماء، وأصدر عازفون ومؤلّفون ألبوماتهم الخاصة في مجال الموسيقى الإيقاعيّة، بعدما أمّنت لهم براعتهم في العزف شهرةً كافية للإقدام على خطوة مماثلة. نذكر مثلاً ستراك وروني برّاك. وفي السياق نفسه، تأتي أسطوانة إبراهيم جابر، بعد طول باع في عالم الموسيقى، عازف الإيقاعات اللبناني يوقّع غداً في نادي Blue Note البيروتي المعروف (شارع المكحول) أول أسطوانة خاصّة له بعنوان “وجوه” Faces. بعد تجربة أولى حملت عنوان “طقس النار” (1997) Rituel du Feu، جمعته بعازف الإيقاعات الإيطالي كارلو ريتزو، وسُجّلت في مدينة غرونوبل الفرنسيّة.
أسطوانة “وجوه” تختلف عن “طقس النار”. ففيما أتت مادة “طقس النار” الموسيقية إيقاعية بامتياز في إطار متوسطي، يبتعد جابر عن الإيقاع المعرّى في عمله الجديد، ليقدّم مطبوعات موسيقية تجمع الآلات الشرقية والغربية بين نحاسيات ووتريات وبيانو وكيبوردز وعود وقانون وناي، مُفرداً فسحةً ضيقةً للغناء، وأخرى واسعةً للإيقاعات بطبيعة الحال.
بعد انطلاقة مبكرة من لبنان، جال إبراهيم جابر على بلدان عدة، مقيماً علاقات غنيّة مع موسيقيين من شتى الثقافات. وكانت له محطّة ثابتة في فرنسا، حيث أسّس فرقاً عدة شاركت في مهرجانات عالمية قبل أن يعود الى بيروت أواخر التسعينيات ليؤسّس ثلاث فرق محلية: Gros Bras التي تقدّم نمطاً موسيقياً يمزج بين البرازيلي والأفريقي والشرقي والجاز اللاتيني وموسيقى السلسا، El Candela المتمحورة حول تجربة الجاز اللاتيني، وفرقة Toubab المتخصّصة في الإيقاع. اختار جابر تسجيل ألبومه الجديد “وجوه” مع الفرقة الأولى Gros Bras. ويحتوي هذا الأخير على ثماني مقطوعات موسيقية يدخل كلام أفريقي في إحداها، ونصّ لبناني شعبي وآخر أفريقي في عمل بعنوان “يا شحاري”. ضبط جابر مؤلفاته على إيقاعات شرقية وأفريقية ولاتينية وغيرها، مُفرداً فسحات تعبير حرّة للتقاسيم التي تولّتها العائلة الشرقية في الفرقة الموسيقية، ولبعض الانفرادات التي تولتها الآلات الغربية.
وتجدر الإشارة الى أنّ جابر تولّى التأليف والتوزيع الموسيقيين في الجزء الأكبر من الأسطوانة، الى جانب مشاركة في التأليف للموسيقي اللبناني هاني سبليني، وأخرى في التوزيع لعازف الباص الكهربائي عبّود السعدي.
ونلاحظ التنوع الكبير في تشكيل الفرقة الموسيقيّة المشاركة في العمل، فأعضاؤها من أفريقيا والهند وإسبانيا وفرنسا، إلى جانب الأسماء الكبيرة التي باتت معروفة في عالم الموسيقى البديلة على الساحة اللبنانية. بعض هؤلاء (الوتريات) عضو في الأوركسترا الوطنية اللبنانية التي يعزف فيها جابر منذ عام 1999، إضافة إلى شربل روحانا (عود)، وأرتور ساتيان (بيانو، كيبوردز) وإيلي نجيم (ترومبيت)، وعلي مذبوح (ناي)، وإيمان حمصي (قانون)، وهراتش قسّيس (سوبرانو ساكسوفون)، وفؤاد عفرا (درامز)، وكلود شلهوب (كمان) وغيرهم.
على الرغم من وجود هذا العدد الكبير من الموسيقيين المحترفين، يختلي ابراهيم جابر بنفسه في مقطوعة بعنوان Dance me في ختام الألبوم، فتتجلّى مهاراته في العزف على الآلات الإيقاعية، بحميمية وتقنية عالية، علماّ أنّه يغلّب الدربكّة ــ آلة الإيقاع اللبنانية “الرسمية” ــ على الآلات الإيقاعية الأخرى.
يذكر أنّ “وجوه” وُزّعت في السوق بُعيد “عدوان تموز”، لكن لم يتسنَّ للمنتج غازي عبد الباقي Forward Music إطلاقها في حفلة خاصّة. ولن يقتصر موعد جمهور الـ“بلو نوت” مع جابر وصحبه غداً، على حفلة توقيع الأسطوانة، بل تتخلّل المناسبة وصلات عزف حيّ لمقتطفات من “وجوه”، يقدّمها إبراهيم جابر وأصدقاؤه.