الشارقة | «الماضي، الحاضر، الممكن» هو عنوان «بينالي الشارقة» الذي يعكس الرغبة التي تحفز اختياراته: تقديم ممكنات فنية مغايرة تستدعي الذاكرة الجمعية في سياقات سياسية واجتماعية سمتها الفوضى والحروب. اختارت قيمة البينالي أونجي جو للدورة 12 المستمرة حتى 2 حزيران (يونيو) أن تركز على سياقات آسيوية وعربية، بخاصة من لبنان لتقديم التعبيرات الجديدة في ساحة الفن المعاصر. ورغم أن أعمال الفنانين الخمسين المشاركين تتحدر من 25 بلداً، إلا أنّ معظمها تنحو نحو اتجاهات تعبيرية مينمالية، مستعيدةً أشياء الواقع لتكيفها في أعمال فنية.
هكذا، فإن أعمال العديد من الفنانين المشاركين بخاصة الآسيويين، تتجه نحو التقشف في الألوان، والخطوط، مقدمة تجربة فريدة، كما هي الحال مع الكوري تشونغ تشانغ سوب (1927-2011) الذي تتحول الدعامة معه إلى مادة قابلة للتلف. وكلما مرت عليها السنوات، كلما استحالت إلى ألوان أخرى وتغيرت. كأن أعماله المعروضة في البينالي وتعود إلى السبعينيات، تعيش دوماً تحولات الحياة والموت من دون كلل. تقنية كرستها إحدى أكثر التجارب الفنية الآسيوية أصالة.
ارتأت قيمة البينالي أن تكون الأعمال الشابة المشاركة انعكاساً لهذه التحولات المذهلة والعنيفة أحياناً الذي تعيشها الفنون في مرحلة ذات سياقات جيوسياسية معقدة. أعمال الفنانين الشباب العرب تنهل من هذه التحولات والسيرة الشخصية، لتقارب أهم إشكالات المرحلة. هكذا، يقدم ريان تابت تجهيزاً في «متحف الشارقة» بعنوان «خط الأنابيب عبر البلاد العربية». يقدم الفنان اللبناني أنابيب ضخ النفط، يقطعها على حلقات ويموضعها على طول رواق يتجاوز خمسين متراً.

يقدم ريان تابت تجهيزاً حول خط أنابيب النفط
حلقات كأنها هذا الدوران/ الدوار الذي تعيشه مجتمعات النفط العربية، ويجعلها في آن نموذجاً للازدهار، وعلامة على القطائع التي حدثت وقد تحدث في المستقبل. كما يقدم الفنان قارباً معلقاً في السقف ومرساة، كأنه إشارة على تحلل هذه الحيوات التي تعبر البحر في محاولة للهجرة السرية. القارب حاولت عائلته أن تهاجر به في طفولته، لكن مشروعها أجهض ولم يعلم الفنان بهذا إلا بعد سنوات، ليقرر وهو يعثر عليه بمحض المصادفة أن يجعله تجهيزاً فنياً. التجارب المرسخة في سياق الفنون البصرية العربية تحضر أيضاً كما هي الحال مع حسن خان، وحسن شريف، وعبد الله السعدي ومحمد كاظم وإيمان عيسى...
تتخلل البينالي عروض أداء مختلفة منها ما قدّمته فرقة «براس الجنائزية» من الكونغو. تركّز العرض الأدائي على غناء جنائزي، تجوّل في شوارع المدينة قبل الانتقال إلى مقر «مؤسسة الشارقة للفنون». يعكس العرض الكائن في تجواله بين الدول والحالات وهيمنة الاستهلاك على المجتمع، وقدرة الجنازة على التحول إلى لحظة من البهجة المقرونة بشيء من السوريالية. التوجه نحو القارة السمراء أحد رهانات البينالي بخاصة في شق فنون الأداء. أما الأعمال اللافتة، فنذكر الفنان الأميركي الكوري مايكل جو الذي لا يكل عن السخرية، وفيديوهات الفرنسي إريك بودلير الذي حاز الجائزة الكبرى للبينالي، والفلسطيني عبد الحي مسلم زرارة الذي تحيل أعماله التشكيلية على التغريبة والمقاومة.