تُعيدنا تجربة ياسر صافي (مواليد 1976) إلى طرح أسئلة بديهية عن اللوحة وعن الانطباعات التي يُفترض أن تبثّها إلى المتلقي. الانطباعات ليست مسألة ميكانيكية الحدوث طبعاً، وليس مطلوباً من اللوحة أن تكون واضحة ومفهومة، ولكن الانطباعات نفسها مسألة لا يمكن تغييبها على نحو كامل. هناك التباس (وهو التباس غير إيجابي) في لوحات الرسام السوري. التباسٌ سبق أن أشرنا إليه في معرضه «شغب طفولي» قبل ثلاثة أعوام، وها هو يتكرر بالمنطق نفسه وبالتقنيات ذاتها في معرضه الجديد (غاليري «مارك هاشم»). تكرارٌ يأتي في سياق تعزيز الرسام لأسلوبيته التي يتعمد فيها خلخلة القياسات التقليدية للحضور البشري في لوحاته. هناك دمامة مقصودة، ولعبٌ ارتجالي على القامات والملامح، وهناك في تقليد رسوم الأطفال وتحميلها مقاصد وطموحات واعية. القبح أو التقبيح بات ممارسة دارجة لدى العديد من الرسامين الشبان في المحترف السوري. مارس هؤلاء قطيعتهم الخاصة، وانضموا إلى سوق الفن في العالم.
داخل هذه الصورة، يحاول ياسر صافي الانقطاع عن تجارب أقرانه ومجايليه، والذهاب إلى منطقة خالية تقريباً من الانطباعات التي تنبعث من جماليات القبح. لا نجد في لوحاته مسوخاً بشرية. إنها كائنات طفولية فعلاً.

يعكس المعرض الواقع السوري المتفجر
وهذه الصفة الطفولية لا ترشح فقط من أشكال هذه الكائنات، بل ترشح أيضاً من المنطق اللاهي والارتجالي في إنجاز هذه الأشكال.
يعكس المعرض جانباً من الواقع السوري المتفجر، ويظهر ذلك من خلال عناوين بعض اللوحات: «مخيم»، «برميل»، «العسكرة»، ولكن ذلك لا يختلف عن عناوين مثل: «حارس مرمى»، «عامل»، «المهرج». في الحالتين، لا تتغير اللوحة. لا يستثمر ياسر صافي الممكنات الجاهزة للقبح، بل نجد نوعاً من المراهنة على فطرية مؤسلبة تقرّب أعماله من رسوم الأطفال، ولكن المشكلة (وربما هي ليست مشكلة) أن لا مبالاة الرسام باستثمار جماليات القبح والعنف، لا تترافق مع مبالاته بخلق استثمارات أخرى تقوده إلى ابتكار انطباعات مختلفة يدسّها في لوحته. والخلاصة أن ترك اللوحة في مهبّ البدائية وحدها يعرّضها لخطر أن تفقد حوارها الضروري مع الجمهور، إذْ لا يمكن هجْر التعبيرات الجاهزة من دون اجتذاب المتلقي إلى قوة تعبيرية أخرى تعيد صياغة علاقة اللوحة بالمتلقي، أو تقترح عليه انطباعاتٍ جديدة.

* معرض ياسر صافي: حتى 30 نيسان (أبريل) ــ «غاليري مارك هاشم» (وسط بيروت، ميناء الحصن). للاستعلام: 01/999313