strong>أمل الأندري
مَن منّا لا يفكّر في المستقبل؟ يسكننا هاجسه، ينغّص علينا حاضرنا وربما ألغاه. أحياناً، نستحضر أنفسنا في الماضي، نتحادث ولو قليلاً، نتآنس أو ربما نتشاجر فيطرق كلٌّ منّا عائداً إلى زمنه. إلا أنّه لا أحد منّا فكّر على الإطلاق في استحضار نفسه... مستقبلاً!
كلا، ليس الأمر هلوسةً ولا ضرباً من الضروب الهوليوودية. صحيح أنّ الفكرة جاءت من أميركا أيضاً... لكن من ولاية أوكلاند هذه المرة. سلاي (30 عاماً) وباتريكيوس (32 عاماً) نجحا في ايصالنا إلى ذواتنا في المستقبل. كيف؟ اُدخل على موقع FutureMe.org الذي صمّماه واكتب رسالة إلى نفسك، وقرّر أنت متى تريد أن تصلك الرسالة، يمكنك تحديد موعد يراوح من شهر إلى نصف قرن. أي إنّ الرسالة التي كتبتها في سنّ الـ 15 ستصلك في الـ 65. طبعاً، أمور كثيرة تكون قد تغيّرت خلال هذا الوقت، وخصوصاً إذا كنتَ قد كتبتَ رسالة وداع في مناسبة انتحارك!
منذ إنشائه قبل قرابة أربع سنوات، تحوّل FutureMe.org إلى ظاهرة حقيقية جذبت يومياً مليون زائر، واستقطبت وسائل الإعلام العالمية، فيما بلغ عدد الرسائل البريدية اليومية التي يبعثها الزوار إلى أنفسهم حوالى أربعمئة ألف. وقيل إنّ فكرة فيلم “منزل البحيرة” استُوحيت من الموقع.
الرسائل تعكس قلقنا وحزننا ووحدتنا وأزماتنا الوجودية، كما تعكس لحظات الفرح والدعابة، وأحياناً تصدم في احتوائها على جرعات “زائدة” من الغضب تجاه العالم وسكّانه.
في بعض الحالات، أدت الرسائل دور ناقوس الخطر الذي ينذر بدنو الكارثة. منهم مَن كتب لنفسه رسالة انتحار، قد لا يكون حاضراً عندما يتلقّاها بعد 50 سنة، ومنهم من كتب رسالة من نوع آخر: “هل ما زلتَ تفكّر كيف قد يكون شعورك إذا قتلت أحداً؟” هنا، أنذر المسؤولان عن الموقع الشرطة طبعاً.
الموقع نفسه أدى دور المحف‍ّز على البقاء بالنسبة إلى الجنود الأميركيين في العراق فكتب أحدهم لنفسه: “أرجوك، عش كي تقرأ هذه الرسالة بعد سنة... عش أرجوك”.
على الضفة الأخرى، وقفت النساء يشكون هموم الحبّ والوحدة والزواج. إحداهن كتبت لذاتها المستقبلية: “إذا كنت لا تزالين عذراء في موعد تلقيك هذه الرسالة، أقول لك أن تتخلّي عن فكرة انتظار الحبّ وتأخذي احتياطاتك الصحية و....”. فيما كتبت أخرى: “هل ما زلت ترفضين العمل في الدعارة على رغم مباركة والدتك لذلك؟”.
الرسائل التي تصل من مختلف أنحاء العالم ومن مختلف الشرائح العمرية، ستُنشر أفضلها في كتاب بعنوان “عزيزي أنا مستقبلاً”.
وفي انتظار ذلك يمكنك زيارة موقع FutureMe.org، ذي الهندسة البسيطة والطريفة أيضاً. إذ عندما تسجّل اسمك، يوجد بوكس صغير هو نوع من الاختبار لمعرفة إذا كنت إنساناً وليس حيواناً يحاول اقتحام الموقع!
آه، نسينا‍‍ رسالة كتبها لنفسه كين الذي يدرس الطب. قال لذاته، المستقبلية بالطبع: “أنا أحبّك فعلاً، أكثر مما تحبّني”. إذاً، هي علاقة حبّ من طرف واحد بين أنا الماضي... وأنا المستقبل الأجمل دوماً، أليس كذلك؟