بيار أبي صعب
اسمه كلمة سرّ. أتعرف ذلك الكاتب السعودي؟ الشيخ الذي انتقد الدين، وآمن بالعلمانيّة، وهاجم الطواغيت، ورأى “العرب ظاهرة صوتيّة” (١٩٧٧)... وطُرد من الأزهر في الثلاثينيّات، من مصر في الستينيات، من بيروت في السبعينيات... ومات مريضاً ووحيداً في مستشفى فلسطين القاهري على مشارف التسعين؟ إنّه عبدالله القصيمي (1907 ــ 1996)، عمره اليوم مئة عام. يتسابق الناشرون على إعادة إصدار كتبه، بعدما تفادوها كأنّها الطاعون، علماً بأن الشاعر العراقي خالد المعالي، (“دار الجمل”) كان السبّاق إلى استعادة ذلك الصوت الفريد والغريب.
رحّب العقّاد بصدور كتاب القصيمي الشهير “هذه هي الأغلال” (١٩٤٦) قائلاً: “مثّل ابن خلدون طليعة الإصلاح في الشرق، ومثّل الأفغاني ومحمد عبده جوانبه، أما القصيمي فهو قلبه”. لكن صاحب “الكون يحاكم الإله” (١٩٨١) لم يقدّم إسهاماً فكريّاً بالمعنى المنهجي. إنّه كاتب غاضب، مثل “هاملت” نجيب سرور. جرؤ على المحظور، وأعاد النظر بالمقدسات، مؤكّداً على نسبيّة الأحكام والقيم. إنّه شاهد غاضب على الانحطاط العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وسجّل تفاصيل تصادمه مع واقعه، بنبرة خطابيّة تتأرجح بين هجاء ومديح، بأسلوب التكرار والمترادفات.
ترك سيلاً جارفاً من الكتب التي ينتهر فيها معاصريه. كأنها مقاطع متصلة في مونولوغ طويل، يروي سيرته الصاخبة بين سلفيّة وثوريّة وعدميّة. مفكّرو النهضة “توفيقيون”، أما القصيمي فـ“تركيبي” جمع الاعتزالية والصوفيّة والقرمطيّة، مع ماركس وهايدغر... ونيتشه.
ماذا بقي لنا من هذا المثقف المثالي في مئويّته؟ الوجع الذي ألهب قريحته وأسال حبره نزفاً. كتب القصيمي كي يتطّهر من القهر الذي يعتمل في داخله. ولعلّ “شيخ الليبراليين العرب” هو بالأصحّ “جدّهم الأوّل” الذي استنبط وسائل بدائيّة ــ إنما أساسيّة ــ على ورثته تقع مسؤوليّة منهجتها وتطويرها.