سعد هادي
خمس رسائل تتضمن اعترافات متتالية يستهل بها عبد الستار ناصر كتابه “سوق الوراقين” (“دار ورد”، دمشق ــ 2007). حمل الفصل عنوان “في بريد المبدعين” وتوجّه فيه ناصر إلى بورخيس وماركيز وآخرين ممن ساعدته كتاباتهم على التخلّص من الوقت المرعب طوال 1900 ليل ونهار. في رسالة الى بورخيس الذي يصفه بالأعمى الجميل الذي رأى أكثر مما رأينا، يكتب ناصر: “أتهكّم على مواهبي وأضحك على قصصي حين أسمعك تقول إنّك من دون مخيلة”. ويضيف الكاتب العراقي: “أنتَ تخفي مكرك الجميل لكي تبقى ألف سنة في ذاكرة الأرض والقراءة”. أما في رسالته الى ماركيز فيقول: “تأكد لي أنّك أوّل أسباب إخفاقي، يوم قارنت نفسي بك وطلبت منها أن تكون بمستواك، إذا بي أسقط عند أول السلالم. لهذا السبب كرهتك جداً”. ويصف ناصر علاقته بالكاتبة إيزابيل الليندي التي هي “امرأة من بناة العالم”: “أراها تحدق بي في كل مرة أجلس فيها لكتابة قصصي ورواياتي. أشعر بها تسألني، ماذا تُراك ستكتب بعد أن قرأت لي؟ فأرجوها أن تمشي وتبتعد عني لئلّا أكف عن الكتابة”. ثم يعود ثانية ليقول: “ربما تمنيت الزواج رسمياً بهذه المبدعة المخبولة، حتى أشعر بسلطة الرجولة عليها، وبالتالي أستفيد من عبقريتها في تأليف العجائب، لكنها هي التي تزوجتني سراً وفرضت أنوثتها وسطوتها على فحولتي وكتاباتي. وصرت بين ليلة وضحاها أسير عبقريتها وجنونها”.
“في المشغل العراقي”، عنوان آخر فصول الكتاب، يشير عبد الستار ناصر في مقال بعنوان “القصة القصيرة بين الصنعة والإبداع” الى أنّ ما يحدث اليوم على الساحة القصصية هو خلط أوراق ومفاهيم تقترب من التزوير للوثائق. فما هي إلا كلمات من معجم هنا وإعادة نقش أسطورة من هناك وسطور من كتب السحر والفلك والغياب، لتصبح القصة جاهزة للنشر. “لذلك، إذا جاء الناقد العالمي الى وسطنا الأدبي وأراد ان يفتش عن القصة القصيرة ويسأل عن تطورها ويبحث في بداياتها، فسيرى بوضوح أنّ القاص العراقي متخبط في سلوكه أمام هذا الفن الصعب وأنّه كاتب مهووس بكل ما يأتيه من الغرب”. وفي مقال آخر، يقول الكاتب: “سنبقى نعاني فقر التجربة وقلة المعرفة، لن أذكر طقوس الكتابة لأني أعرف أنّ الكاتب العراقي لا طقوس له، ذلك لأن لا طقوس للفقراء، لأنهم مرغمون على المكان الذي يأكلون ويكتبون وينامون فيه”. ثم ينتقي كتباً عراقية متحدثاً عنها مثل “أعمامي اللصوص” لفيصل عبد الحسن و “شبيه الخنزير” لوارد بدر السالم و “المقطورة” لمحمد شاكر السبع. وعلى رغم يأسه وتشاؤمه، تبدو له هذه الأعمال كأنها قالت أشياء كثيرة في صفحات قليلة، كتّابها يعبّرون عن مأساة شعب، وهذه الأعمال تستحق الاحتفاء بها.