strong> رلى راشد
رَفَعت مجلّة Pensée de Midi الفرنسيّة السقفَ عالياً عندما أعلنت نيّتها اختزال “بيروت القرن الحادي والعشرين” في عددها الحالي (شهر آذار/ مارس الجاري). إلا أنّ عددها العشرين الذي خصّصته لبيروت، التقط نبض مدينة «الموت الألفي والانبعاث الألفي» بفضل أقلام شابّة ولدت إبّان الحرب وسكَنت حتى الساعة هوامش النقاش الدائر بشأن مستقبلها. اختارت لجنة تحرير المجلة هذا الجيل الذي تسلّح بجُرأته المُسنّنة ورَصدَ يوميّاته “المتقاربة والصاخبة” بعين ناقدة. فإذا بنصوصه مجموعةً تُكمل فسيفساء المجتمع اللبناني على رغم تفاوت تجربة أصحابها.
هكذا تستعيد ياسمينة طرابلسي هذا المساء، من خلال نصّها “أيّام هادئة في الأوزاعي”، مغامرة مطبوعة بالخيبة يعيشها صحافي جاء بيروت لإجراء تحقيق عن لعبة الغولف، بينما تدخل نادين شحادة يوميات الصراع العسكري في نسيج “مدوّنة حرب”. وفيما تقتفي هالة مغنيّة في “الرقص حتى الهلاك” أثر حياة موازية في الشوارع والحانات، تفكّك ياسمين جميّل تيمة امرأة لبنانية متناقضة في “فتيات من بيروت”. بيروتيّات تقصهّن أيضاً الممثلة والمخرجة والسيناريست دارينا الجندي، إذ تحتسب الهوّة الفاصلة بينهن وبين الباريسيات في نصّ بعنوان “زهرة، في حميمية صالون تجميل بيروتي”. ثم تطلّ ريم خوري تامبي من جهتها على تنويعات استخدامات اللغة في “أتجيد الفرنسيّة؟”.
وفي قاعة Montaigne التابعة لـ“المركز الثقافي الفرنسي”، يلتقي هذا المساء بعض الكتّاب الآخرين ممن شاركوا في هذا العدد الخاص من Pensée de Midi، لقراءة نصوصهم متحلّقين حول الروائي والمسرحي الجزائري محمد قاسمي الذي أشرف على تحرير عدد المجلة. افتتاحيته التي جاءت بعنوان “بورتريه” اقتفت بيروت “المعجزة”، مدينة “الغليان الثقافي” وصاحبة “الطاقة النادرة والغريبة التي تُلهب كل ميادين الابداع”.
الممثّلة كارول عمون (“حكي نسوان”) تنقل في “المهابل تتحدّث في بيروت أيضاً” تجربة كسر حواجز الجسد الذهنيّة في مدينة تنفض عنها الدمار. وتقرأ المخرجة ديما الجندي نصّها Bonne à Vendre الذي يستعيد مقتطفات من وثائقي يحكي تجارة الرقيق الحديثة من خلال مستخدمات سيرلنكيات... من خلال مقابلة لاذعة بين معنيين متكاملين “صالحة للبيع” و“خادمة للبيع”. أما عمر بستاني الصحافي السابق في “لوريان اكسبرس”، فينظر إلى التماهي بين المكان والزمان، بين ساحة وتاريخ وطن في “شهداء وحريّة”. وفي “ريادية موسيقية حقيقية”، تصف كارول قرم، مسؤولة الصفحات الثقافية في مجلة Elle العربية، بانوراما نغمات متشعّبة الاتجاهات والمدارس. أما “السينما اللبنانية: أبناء الفوضى”، لكاتيا جرجورة التي تناولت السياسة اللبنانيّة وكربلاء في أفلام تسجيلية سابقة، فيقوم على سرد فنّ هو سليل بيئته في تعدّد هويّاته. وأخيراً يرصد المخرج والسيناريست إيلي كرم صاحب “شلاح الطربوش”، في “طريق الذات” جنون قيادة السيارات كتعبير حقيقي عن حالـــــــة نفسيّة وثقافيّة عامة في لبنانPensée de Midi مجلّة أدبيّة تصدرها دار “أكت سود” في جنوب فرنسا. وقد تخطّت جغرافية مولدها منذ انطلاقتها عام 2000، لتطرح نفسها مختبراً للتلاقح الفكري بين الغرب والشرق، بين الشمال والجنوب. يرأس الباحث تييري فابر تحرير المجلة، فكأنها امتداد لتورّطه في مغامرة “لقاءات ابن رشد” للتبادل الثقافي مع المتوسّط، خارج أسر الأطر المحليّة الضيقة. استعارت المجلّة اسمها من مُصطلح ابتكره البير كامو صاحب “الإنسان الأوّل” وورد في نص أهداه إلى رينه شار. يدين هذا المفهوم لإرث إغريقيّ لازم أدب كامو، ولا سيما أسطـــــــورة سيزيف التي حَرّكت روايته “الغريب”. كما يصف توازناً فقدته أوروبا منذ سنوات... من جرّاء افتقارها إلى حضارة حيّة نتيجة إهمالها الارتبــــــاط بالتقليد المُتوسّطي.
من خلال ترحالها الجغرافي بين باليرمو وأثينا والجزائر وغيرها من المُدن، وتوقّفها عند النقاشات الفنيّة والأدبيّة والسياسيّة وتحليلها “لفبركة وجهات النظر” الإعلاميّة في الحروب (كما في عدد 9 “النظر إلى الحرب” شباط/فبراير 2003)، انقلبت المجلّة على المُعادلة الاختزالية لبعض المطبوعات الفرنكوفونيّة... وعلى تدفّق المواد الإعلاميّة في اتجاه حصريّ واحد: من الشمال إلى الجنوب. وتطرح المجلّة أسئلة ضرورية عن ماهيّة الفرنكوفونيّة اليوم، وعن مدى طواعيّتها للإجابة عن أسئلة الذين تدّعي التحدّث باسمهم. إنّه نقاش راهن، بل ملحّ، بعدما بعثت مجموعة من كتّاب الفرنسية نقاشاً قديماً مُستجداً. فقبل أيام على الاحتفال بيوم الفرنكوفونية العالمي في عشرين من الشهر الحالي، اختار 44 كاتباً من حاصدي الجوائز الفرنسيّة الأدبية الرئيسية “منصّة” ملحق الكتب في جريدة “لو موند” لنشر بيانهم “من أجل أدب عالمي بالفرنسيّة”. تحدّث الموقعون ومن بينهم الطاهر بن جلون، ونانسي هيوستون، وألان مابانكو، وادوارد غليسان عن “نهاية الفرنكوفونية”... وعن بزوغ أدب مكتوب بالفرنسية مُنفتح على العالم... وعابر للقوميّة، في وجه “أدب نرجسيّ (فرنكوفوني) يهتمّ حصراً بنفسه”. توصيف لم يعجب عبدو ضيوف الرئيس السنغالي الأسبق، والأمين العام الحالي لـ“المنظّمة الدولية للفرنكوفونيّة”، إذ رأى “مجموعة 44” “حفّاري قبور الفرنكوفونية”.
في إطار هذا النقاش المطوّل، يبرز دور Pensée de Midi، عبر إطلالة أدبيّة ــــــ صحافيّة مُغايرة بالفرنسية: مكان رحب يتّسع لمخاطبة العالم الناطق بلغة موليير بشتى الأساليب الإبداعية.


  • قراءات من مجلة La Pensée De Midi ــ السادسة من مساء اليوم في صالة Montaigne، “المركز الثقافي الفرنسي”، طريق الشام ــــــ هاتف: 01,420205

  • تظاهرة “Les Belles Etrangères“ مخصّصة هذه السنة للأدب اللبناني المكتوب باللغتين العربية والفرنسية. يعلن عنها صباح اليوم خلال مؤتمر صحافي في «قصر الصنوبر». التظاهرة التي تمتد بين12 و25 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تستضيف عدداً من الكتاب البلد المحتفى به، أو من فضاء لغوي مشترك، لإقامة سلسلة من اللقاءات في مختلف أنحاء فرنسا.