محمد خير
لنتصوّر أن خالد يوسف لم يعد قادراً على التفنّن في أفلام التشويق... وأن عادل إمام لن ينجح بعد اليوم في تجسيد دور «الأفوكاتو»... عواقب التعديلات الدستورية في مصر، تبدأ في الشارع وتنتهي على الشاشة

في فيلم خالد يوسف “خيانة مشروعة” الذي حقق إيرادات مرتفعة في عيد الأضحى الماضي، كان ضابط المباحث (هشام سليم) يكافح طوال الفيلم من أجل إقناع النيابة بمنحه إذناً لتفتيش بيت القاتل (هاني سلامة). ولو كان سليم قد انتظر بضعة أسابيع، لما احتاج إلى بذل كل ذلك المجهود، ولاستطاع اقتحام التغيير الذي سيتعرّض له الكثير من الكليشيهات السائدة في الدراما، بعد تعديل المادة 179 من الدستور، تمهيداً لوضع قانون لمكافحة الإرهاب. إذ تتيح المادة للسلطات، بعد إقرار التعديل المقترح، أن تعمد إلى تفتيش المنازل والسيارات الخاصة والأفراد من دون إذن قضائي. وتسمح لها أيضاً بالتنصّت على اتصالات الأشخاص والهيئات، وتراقب مراسلاتهم البريدية العادية والإلكترونية... كل هذا سيجبر حتماً كتّاب السيناريو ومؤلفي الأفلام والمسلسلات على دراسة التعديلات جيداً حتى لا تقع أعمالهم المقبلة في أخطاء “دستورية”.
قبل التعديلات الجديدة، كان هناك ذلك المشهد المعهود في الدراما المصرية. فلو كان الفيلم مثلاً من أفلام الثمانينيات السياسية، ومن إخراج عاطف الطيب أو محمد خان لكنتَ ستجد ضابط البوليس واقفاً بثقة يسدّ مدخل البيت، فيما السياسي المناضل يصرخ فيه قائلاً: إزاي تقتحموا بيتي من غير إذن النيابة؟ فيبتسم الضابط ساخراً، ويقول بهدوء: أقبضوا عليه! فينقضّ المخبرون على المناضل المسكين ويسحبوه إلى المعتقل.
أما لو كان العمل مسلسلاً تلفزيونياً أو فيلماً مسالماً، فإن الضابط سيكون مهذباً، يرتدي البدلة الناصعة البياض، ويسأله البطل: معاك إذن من النيابة؟ يعطيه الضابط ورقة بيضاء مطوية قائلاً: إتفضل، يفتحها البطل ويقرؤها بتمعّن. ثم يلتفت إلى زوجته قائلاً بهدوء: حضّري لي الشنطة يا وفاء. أما بعد التعديلات الدستورية الجديدة، فإن الضابط ومن معه، سيقتحمون البيت فوراً للتفتيش، ويعتقلون كل من فيه من دون سؤال أو جواب.
قياساً على ما سبق، فإن مقصّ الرقيب قد ينتزع كل مشهد مخالف، يلوم فيه رئيس النيابة الضابط المتحمّس: الكلام اللي بتقوله مش دليل كافي للحصول على إذن بالتفتيش، يا حضرة النقيب! ذلك أن الضابط لن يحتاج إلى إذن بالتفتيش بعد الآن، وستختفي الحلقة المفرغة التي يدور فيها الضابط المسكين، عندما يعجز عن إعادة فتح التحقيق في القضية لأنه ليس لديه دليل، إذ لن يستطيع إعادة فتح التحقيق قبل أن يمتلك أي دليل حسّي. كل هذا سيكون في خبر كان بعد التعديلات الجديدة. إذ ربما يطلب الضابط في ما بعد إذناً بالتفتيش بناءً على الأدلة التي وجدها عندما فتّش البيت من دون إذن تفتيش! ومن ثم يستطيع بسهولة إعادة فتح أي قضية، وفي أي وقت.
ومن أهم التغييرات التي ستطرأ على الدراما البوليسية أيضاً، تلك المتعلقة بالتنصّت على الاتصالات والمراسلات، وخصوصاً أن التنصّت لن يحتاج بدوره إلى أي إذن من النيابة أو القضاء. وسيختفي المشهد الذي يُصاب فيه المجرم بالذهول عندما يكتشف أن ما يقوله يُسجّل، لأنه كان يظن نفسه بعيداً من الشبهات تماماً. ولكن بمجرد بدء تطبيق التعديلات الدستورية الجديدة، سيأخذ المجرم حذره تماماً، ولن يتكلّم عن أفعاله حتى في الحمام. وسيكون على كتّاب الدراما إيجاد حيل درامية أكثر تعقيداً من مجرد استدراج المجرم إلى الحديث في جلسة أنس!
أما أكثر الشخصيات الدرامية تضرراً من التعديلات، فهي شخصية المحامي الذي لن يكون قادراً بعد الآن على الدفع ببطلان الإجراءات، وما إلى ذلك. إذ سيكون من حقّ السلطات أن تقوم بكل ما تراه مناسباً من إجراءات استثنائية، وعلى المحامي أن يتحوّل إلى “سوبرمان” حتى يتمكّن من إنقاذ موكّله. وسيختفي المشهد الذي يبتسم فيه المحامي بثقة قائلاً لموكله: ما تقلقش، أصل التسجيلات دي تمت من دون إذن النيابة. سيختفي المشهد، وربما تختفي شخصية المحامي أيضاً. وسيراقب المشاهد ألاعيب المحامين في الأفلام القديمة بإشفاق وتعاطف، كأنه يراقب مشهداً يبحث فيه شخص عن جهاز تلفون، قبل اختراع الهاتف...