سوف تظل صورة صدام حسين في مشهده الأخير أمام حبل المشنقة، لحظةً استثنائية في أرشيف الصورة العراقية. وهي لا تقلّ أهمية عن صورة تمثاله لحظة سقوطه في ساحة الفردوس في بغداد. صورتان نادرتان ستحظيان على الدوام بمكانة خاصة في ذاكرة القرن. لكن صورة “الإعدام شنقاً” على أهميتها التراجيدية بدت ناقصة، وأقلّ مما هو متوقع بالنسبة إلى تاريخ ديكتاتور عربي، حافل بالمآسي، وبغض النظر عما إذا تم الإعدام بيد المحتل أو بسببه. المحكمة المضجرة كانت نسخة هزيلة عن “تلفزيون الواقع”، ولم تحظ بمشاهدة عالية نظراً الى غياب عناصر الفرجة والإثارة السياسية. كان متوقعاً أن تتخللها مواقف ساخنة، وتكشف عن أسرار كبرى، وفضائح تطال دولاً وشخصيات عالمية. لكن كل هذه التوقعات لم تحصل، إذ دارت وقائع المحكمة حول قضية محددة، هي مقتل 148 قروياً في قرية “الدجيل”، كأن دمار العراق والحروب التي خاضها صدام حسين، وملايين المنفيين، والمجازر والمقابر الجماعية، لا تعني شيئاً في المشهد العراقي. هكذا انتهت حقبة دامية من دون أن تكشف الصورة عما يدور خلفها، لتطوي سيرة “زعيم عربي” جاء إلى سدة السلطة المطلقة من قاموس “ثقافة السحل”، ولعلّ الصور الأرشيفية التي رافقت غياب صدام حسين كانت أكثر حضوراً من صورته الأخيرة وهو يهتف “عاش الشعب”. إنه، على أي حال، مشهد شكسبيري ناقص بسبب ارتباك ثقافة “البطل” والتباس مقاصدها، إضافة إلى صحوته المتأخرة، واكتشافه وجود “شعب”؟. الأشرطة الأرشيفية كانت إذاً أكثر حضوراً ومنطقية: صورة الفتى الريفي الذي أدى دور بطولة مبكراً في اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، صاعداً من الصفوف الخلفية لحزب البعث ومحمولاً على خلفية عائلية غامضة وملتبسة، قادته بمؤامرات ضد “الرفاق” إلى كرسي السلطة. ولعل الخطأ التراجيدي هنا، يتمثّل في غياب الصورة المضادة، صورة العراق ما بعد صدام حسين، فهي في أحسن أحوالها، أسوأ مما قبلها، الأمر الذي أفرغ الصورة الأساسية “الإعدام شنقاً” من محتواها وأهميتها التاريخية بالنسبة إلى الشعب العراقي والعربي لاحقاً. هي من صنع الاحتلال وليست من صنع الشعب العراقي، وما البهجة الناقصة التي رافقت نهاية الزعيم، والحزن من ضفة ثانية، إلا صورة أخرى عن اضطراب العدسة، وتشوّش الرؤية، وسعة الفضيحة البصرية.
خليل...