strong>عبد الغني طليس
وجد غسان صليبا ضالته في المسرح الغنائي... هذا ما يظهر من خلال ابتعاده عن إنتاج الألبومات والكليبات، ومشاركاته الدائمة في مسرح منصور الرحباني، وآخرها العمل الجديد “زنوبيا ملكة تدمر” الذي يؤدي فيه دور البطولة، ويعرض قريباً.
عندما وافق غسان صليبا على الحلول مكان ملحم بركات في مسرحية “صيف 840” أواخر الثمانينيات ــ إثر خلاف بين الرحباني وبركات يومها ــ لم يكن اسمه في الساحة الغنائية اللبنانية منتشراً على صعيد الموهبة فحسب، بل على صعيد النجومية والنشاط الكثيف أيضاً. وهناك من رأى في انضمامه إلى مسرحية غنائية، بما تستلزمه من استنكاف عن إحياء الحفلات في لبنان والخارج، خطوة غير حميدة مادياً، وإن كانت ذكية فنياً، بل في غاية الذكاء. وعلى رغم أن مردود المسرحية لا يذكر مقارنة بمردود الحفلات، لم يشأ غسان، الحالم منذ الصغر بمسرح الأخوين الرحباني، (وكان قد شارك فيه سابقاً بدور قصير في مسرحية “بترا”)، تضييع فرصة البطولة، لذا تخلى عن الإغراء المادي لمصلحة الإغراء الفني، وخاض التجربة التي أتت ناجحة تماماً. وتكرر النجاح في أكثر من مسرحية وصولاً إلى “زنوبيا”...
اليوم في عام 2007، تغيرت المقاييس: الحفلات الغنائية بالنسبة إلى أغلب النجوم ضامرة، والرحلات الفنية إلى الخارج نادرة جداً، حتى إن انتاج الألبومات والكليبات بالنسبة إلى غسان صليبا بالذات محفوف بالتقشف الحاد. لذا، كان المسرح الغنائي خشبة الخلاص المادي أولاً والمعنوي ثانياً، على عكس البداية... وما خسره غسان في نهاية الثمانينيات، ربحه في مطلع القرن الجديد.
في مسرح منصور الرحباني وابنه أسامة، غالباً ما تعبّر الأغاني والحوارات الغنائية عن مواقف مسرحية، يمكننا الاستماع إليها في غير وقت العرض، رغم أنها مرتبطة من جهة بناء النص واللحن بالحدث المسرحي. استطاع بعض هذه الأغاني النفاذ إلى الجمهور العريض خارج الصالة، لكن الأغلب والأهم منها، بقي داخلها. والمعروف أن الأغاني ذات الأبعاد الدرامية التأليفية، على رغم متانة تركيبتها، لا تجد انتشاراً موازياً لانتشار الأغنية الشعبية التي كان غسان ــ ولا يزال ــ يردد أنه يرغب بها ويحبها ويريدها. ولعلّه كان صادقاً جداً عندما وقع عقداً مع شركة “روتانا” للإنتاج قبل أربع سنوات تقريباً. حينها، تحدث في الإعلام مستفيضاً عن ميله إلى تقديم “أغان فرحة”، مستذكراً، على ما يبدو، بدايته الشعبية أواخر السبعينيات مع ملحم بركات ونور الملاح ورفيق حبيقة وبعض الملحنين الآخرين الذين رافقوه في بداية احترافه الغناء. كأنه كان يرى مسافة بين الأغنية “المسرحية” والأغنية “الشعبية”، ويحاول الجمع بينها: تربطه الأغنية “المسرحية” بالمستوى الدرامي الفائق الدقة التعبيرية، وتحقق له الأغنية “الشعبية” انتشاراً شعبياً. وهذا يشير إلى أن الأغاني الدرامية التي تقدم المتعة الأدائية الفنية، لا تستطيع تقديم المتعة “الشعبية”. وهي إشكالية حقيقية ليست مطروحة مع غسان صليبا وحده، بل مع بعض المغنين الجيدين الآخرين أيضاً. لكن اللافت هو أن رغبة صليبا “بالأغاني الفرحة” التي تحدث عنها في مرحلة العمل مع “روتانا”، لم تتحقق حتى عبر البومين، ولم يجدد الطرفان العقد. هل يئس غسان من الأغاني الفرحة، أم أنه لا يزال ينتظرها، من منصور الرحباني وابنه أسامة هذه المرة؟