خليل صويلح
بذل المؤرخ الألماني الراحل غرهرد هب جهوداً مضنية للحصول على أرشيف الحقبة النازية حول الضحايا المنسيين من العرب. واكتشف في أبحاثه قائمة طويلة تضم أسماء الضحايا في معسكرات الإبادة النازية، وخلص الى أن الأمر مقصود وهو يتعلق بـ»احتكار دور الضحية». المحرقة النازية ظلت حتى اليوم شأناً يخص اليهود وحدهم. كتاب «العرب في المحرقة النازية: ضحايا منسيون» الصادر عن «دار قدمس» في دمشق (ترجمة محمد جديد)، يضيء أسباب «تعريض الذاكرة للخطر». كان أغلب الضحايا مهاجرين عرباً، ومقاتلين في صفوف المقاومة الفرنسية. لكن السجلات الرسمية للنازية لم تعدهم عرباً، إذ كانوا يُسجلون عادةً بصفتهم رعايا الدولة الاستعمارية. كما تجاهلت فرنسا الحرة أوضاعهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويعزو هذا التجاهل إلى «سياسة في التاريخ، وسياسة في التذكّر»، وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي. أما أسباب اعتقالهم فهي متعددة، منها مقاومة النازية أو اعتقالهم كأسرى حرب.
ويؤكد غرهرد هب الذي صدر كتابه بالألمانيّة بعد رحيله، أن الاحصاءات التي حصل عليها تُظهر أن خُمس المعتقلين العرب لم يخرجوا أحياء من معسكرات هتلر بين 1933 و1945. ويستغرب صمت المثقفين العرب ممن كان لهم علاقة بدول المحور، عن هذه النقطة. إذ تخلو مذكراتهم من أي إشارة إلى مصير هؤلاء في المعتقلات النازية. وهذا ينعكس أيضاً بوضوح في أدبيات التاريخ العربي المكتوب بأقلام كتاب عرب حول العلاقات العربية ــ الألمانية. وبدا كما لو كان «المؤرخون هم المالكين الوحيدين للذكرى». هكذا ستغيب أسماء من قاوموا النازية والفاشية ودافعوا عن الجمهورية في الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ــ 1939)... ولم يُسمع عن أي باحث عربي أو غربي، بعث ذكرى العرب بين ضحايا الإبادة الجماعية النازية. فيما تثار باستمرار قضيّة علاقة العرب بالنازية، ويُركّز على تواطؤ بعضهم مع المحرقة أمثال أمين الحسيني ورشيد عالي الكيلاني ومحمد حسن الوزاني. ويشير الباحث إلى أنّ حياة هذه الفئة من الضحايا، بقيت بمعزل عن الذاكرة الجماعية. ويندر أن يظهر هؤلاء العرب المنسيّون في الجداول التي تستعرض قوميات ضحايا المحرقة، أو ترد أسماؤهم على النصب التذكارية الخاصة بضحايا معسكرات الاعتقال. إنّهم ــ كما يشير عنوان كتاب غرهرد هب ــ «ضحايا منسيون» حقاً. أما وصيّة المؤرخ الألماني لإصلاح هذا الخطأ التاريخي وتغيير «الشرط الاجتماعي للنسيان» فهو: إعادة تركيب ذكرى الضحايا من الجاني والضحية في آن واحد...