جوان فرشخ بجالي
خلع المحاربون القدامى في السلفادور الملابس العسكرية ليقوموا بدور الأدلاء السياحيين في مناطق شهدت اقتتالاً

يمكن زائر السلفادور أن يتمتع في هذه الفترة بشواطئها البيضاء الخلابة، ثم يتوجه الى غاباتها الجميلة حيث سيتعرف بنوع جديد من السياحة أي سياحة الحرب والقتال.
من خلال زيارة بعض معاقل ومخابىء الأسلحة، يتعرف الزائر الأجنبي بتاريخ السلفادور الحديث ابتداء من الحرب الأهلية التي انطلقت معاركها الطاحنة عام 1980 بين حزبي اليمين المتطرف والماركسي اليساري والتي راح ضحيتها أكثر من 80000 شخص. وامتدت المعارك لتدور رحاها في كل أنحاء البلاد، وخاصة في الجبال والمغاور والوديان.
في خطوة هي الأولى من نوعها في أميركا الوسطى والجنوبية، بدأ أخيراً أبناء هذا البلد الصغير بتحويل المراكز العسكرية والمواقع القتالية إلى متاحف وأماكن للسياحة. والعنوان الأبرز للمشروع هو “سياحة الحرب الأهلية كي يتعلم أبناء الجيل الصاعد من تجارب الماضي”.
إضافة إلى الرغبة في التحذير من مخاطر الحروب الأهلية، لهذا المشروع السياحي غاية أخرى، وإن غير معلنة، وهي توفير مردود مادي للمقاتلين القدامى.
يعرف المحاربون السابقون بشكل دقيق الأماكن التي قاتلوا فيها وهم يعملون حالياً كأدلّاء سياحيين مقابل أجور زهيدة، فيقودون السياح الى الغابات والكهوف حيث كانوا يعيشون ويقاتلون ويخبّئون السلاح. ويتلو الأدلاء على الزوار قصص الحرب. وهم يدركون جيداً أن حكايا الماضي المؤلم تجتذب السياح وأبناء البلد الراغبين في معرفة حقيقة ما جرى. هكذا أصبحت ذكريات الاقتتال الأهلي مصدراً للقمة العيش.
يشكل تلامذة المدارس من السلفادوريين كبرى المجموعات التي تزور المعاقل القتالية السابقة ليتعلم الصغار “تاريخ وطننا الحقيقي”، كما قال بعضهم لوكالة أسوشيتد برس (Associated Press) خلال زيارة قامت بها مجموعة من 180 تلميذاً لمواقع قتالية.
بعض السياح هم من أبناء السلفادور الذين رحلوا عن البلاد أيام القتال ويعودون حالياً مع أولادهم أو أحفادهم ويقومون بزيارة الأماكن التي شهدت الحرب.
ويحاول الأعضاء السابقون لحزب الجبهة الوطنية للتحرير Farabundo Marti National Liberation) Front) الذي كان يقود جبهة القتال، مساعدة الأهالي على تحويل معاقلهم الى مواقع سياحية.
ووضع أعضاء الحزب خطة عمل وأطلقوا مشروعاً سياحياً جديداً سُمي “طريق السلام”، ومن خلاله يؤخذ الزوار عبر الجبال الى مدينة بيرغوين الجبلية التي كانت تعتبر عاصمة الثورة ومعقل المقاتلين وهي لا تبعد أكثر من 300 كم عن العاصمة. وأكثر ما يزوره السياح في تلك المدينة هو مقر الحزب سابقاً. فهذا البيت المتواضع الذي بُني أواخر التسعينيات من القرن الماضي، أصبح اليوم “متحف الثورة”. المدافع والملابس الحربية وبعض من العتاد السوفياتي القديم الذي كان يُستعمل معروضة فيه. ويشرح رولاندو كاسيؤيس مدير المتحف ان “الهدف من إنشائه هو استعماله مرجعاً تاريخياً للأجيال المقبلة”، ويضيف “يشعر اليوم كل من شارك في الحرب بأن لديه ما يقوله ليساعد على تنمية هذا القطاع من السياحة”، لافتاً إلى أن الحكومة لا تتبنى هذا المشروع ولا تشجعه. وقد حوّل الصحافي كونسالفي مقر “راديو سننتصر” الذي كان يبث أخبار الثورة خلال الحرب الى متحف يجد الزائر فيه المقالات والصور والنشرات الإخبارية التي أرّخت ما جرى.



دروس من الماضي رغم العنف

لم تنته دوامة العنف في السلفادور بشكل نهائي حتى اليوم. فهذا البلد لا يزال يعتبر من أخطر الدول بسبب ارتفاع نسبة الجريمة والسرقة وهي الأعلى في العالم بحسب إحصاءات منظمات دولية. ولكن هذا الواقع لا يمنع الجيل الجديد من رفض الحرب الأهلية وأخذ العبر من دروس الماضي.
والجدير بالذكر ان تجـربة السلفادور السياحية الجديدة ليست فريدة عالمياً، فتحويل مواقع القتال والسجون الى متاحف هو أسلوب اعتمدته دول كثيرة عانت الحروب، فاستثمرت المتاحف الجديدة لمساعدة شعبها على تخطي الماضي المؤلم ومعرفة حقيقة ما جرى كي لا تتكرر التجربة. ولكن ما يميز السلفادور هو أن القطاع الأهلي هو من يقوم بتأهيل هذه المواقع ويروّج لها بعدما تغاضت السلطات عن تبنّي هذا الموضوع.