بشير صفير
ليس حدثاً عادياً.
إنّها لطيفة تغنّي زياد الرحباني! الأسطوانة التي ننتظرها منذ أشهر، صدرت بعنوان «معلومات أكيدة»، وتضم أيضاً أغنيات لشعراء وملحنين آخرين... بعدما تعاونت مع منصور وأولاده في «حكم الرعيان»، ها هي المطربة التونسيّة تمنح صوتها إلى الابن الرهيب للمؤسسة الرحبانية. النتيجة؟ اكتشفوها بأنفسكم!


زياد الرحباني يفاجئنا دائماً. حين نتوقّعه في الموسيقى، يطلّ علينا من السياسة. ننتظره على الإذاعة، فاذا به يفاجئنا في الجريدة. نتشوق الى حفلاته على المسرح، فنلتقيه عازفاً الجاز في حانة. وحين ننسى علاقته بالفن السابع، يحضر ممثلاً في «طيّارة من ورق» (رندا الشهال) ويكتب موسيقاه، أو يعيد توزيع بعض قديمه لمرافقة حلقات مسلسل «قصتي قصة» (إيلي أضباشي). نعيش على أمل عودته بعمل مسرحي بعد غياب 12 سنة، يعود مع فيروز معيداً توزيع موسيقى مسرحية «صح النوم»، ومشرفاً على العروض. نتساءل متى سيصدر أسطوانة لفيروز تضم الأغاني الجديدة التي سمعناها في حفلة بيت الدين (2003)، اذا به «ينبت لا عالبال ولا عالخاطر» مقدماً ألحانه ونصوصه وتوزيعه وعزفه في أغان جديدة بصوت المطربة التونسية لطيفة. لكن الاحتمال الأخير لم يدخل في حساباتنا التنبؤية، ولم تردنا عنه أي «معلومات أكيدة». وخصوصاً أنّ أحداً من محبي موسيقى زياد لم يتصوّر أن يوماً سيأتي، تدرّ فيه مؤلفات زياد أرباحاً على شركة «روتانا»...
«معلومات أكيدة» عنوان أسطوانة جديدة للمطربة لطيفة التونسية، تحمل بشكل واضح بصمات زياد الرحباني الذي يحتل فيها موقع الصدارة تأليفاً وتلحيناً وتوزيعاً (7 أغنيات من أصل عشر، واحدة من كلمات طلال حيدر وأخرى لإلياس ناصر). أما الأغنيات الأخرى فلحّنها جان - ماري رياشي ومروان خوري وشريف تاج، وكتب كلماتها الشعراء عصام حسني، محمد الرفاعي وعبد الوهاب محمد (جميعها من توزيع الرياشي). كما ضمت الأسطوانة محطة موسيقية لزياد بعنوان «عطل وضرر». وإذا كان صوت المطربة التونسيّة لا يحقق الإجماع ربّما، كما هي حال الأصوات التي تتمتع بخامة معينة، تميزها بسهولة، فإن الطاقة الكبيرة التي يختزنها ذلك الصوت، بمداه الواسع وقدرته، ليست موضع شكّ على الإطلاق. والمؤكد أن عملها مع زياد يشكّل مرحلة جديدة في مسيرتها الموسيقيّة.
بين الأعمال التي حملت توقيع زياد، لحناً وتوزيعاً وكلاماً ومشاركةً في العزف، تعيدنا «معلومات مش أكيدة» الى أغنية «كيفك إنت» في الشكل الموسيقي، وبعض محطات التوزيع، وحتى في النص وما يكتنفه من عتب وحنين وألم وأمل. وهي مستعادة في الاغنية التي تحمل عنوان الألبوم، حيث الكلام مختلف رغم تناوله الموضوع نفسه، إنّما بواقعية وحميمية لا يهمشان الوجدانية: «... يا الله ساعدني... يا ربي ساندني...». والتوزيع مختلف أيضاً بين الأغنيتين، إذ تغيب فواصل النحاسيات في «معلومات اكيدة». أما البيانو والساكسوفون الحاضران في الأولى، فيتركان مكانهما للبيانو الكهربائي والغيتار المتحاورين في الثانية.
«أمّنلي بيت» هي المحطة الشرقية البحتة التي باتت شبه ثابتة في أعمال زياد، وتؤكد علاقته القوية بالموسيقى الشرقية وآلاتها (التخت) ومقاماتها، من مقطوعات «بالأفراح» (موسيقى ــ 1977)، وأغنية «حبيتك تانسيت النوم»، وصولاً الى «مربى الدلال» و«سلملي عليه»... ويتولى زياد الخلفية الصوتية غناءً على طبقة منخفضة. فيما تنتهي الأغنية بتسعة تنويعات غنائية على عبارة «مشتاقة شوفك»، وينفرد هو في التنويع الأخير دون لطيفة. أما أغنية «بنصّ الجو» التي صوّرت في فيديو كليب (سعيد الماروق)، فتتميّز باستعمال المؤثرات الصوتية وفواصل النحاسيات العزيزة جداً على قلب زياد.
وتبدأ أغنية «نفّد عبكرة» بدخول الوتريات والفلوت في جوّ «باخي» (نسبة الى جان سيباستيان باخ) توزيعاً وايقاعاً، ويتولى بعدئذ البيانو الفاصل الموسيقى، كما يحضر جازماً في نهاية الجمل الموسيقي والفواصل القصيرة، وتتكرر الصورة بين اللازمة والمذهب. تتميز هذه الأغنية ــ إضافة إلى الوتريات والبيانو ــ بتوزيع معقد خصّ به زياد الكورس، في جمل خارجة عن لحن اللازمة الأساسي ومتقابلة معه. وينقسم الكورس الى قسمين لأداء هاتين الجملتين، اي الجملة الاساسية والجملة المتقابلة معها، وتلاقيهم مرافقة متقابلة معهما للوتريات.
أما عن الأغنيات التي حملت توقيع زياد لحناً وتوزيعاً ومشاركة في العزف، فنشير أولاً الى «عشقانة»، وهي من كلمات الشاعر إلياس ناصر، تتناول الحنين الى الوطن. اللحن الذي يدخل بسرعة إلى القلب، هو على مقام لطالما أحبه زياد واستعمله في أغنيات سابقة، مثل «ولّعت كتير» و«ضاق خلقي» و«تلفن عياش». أما الأهم من كل ذلك، فهو حضور عازف الكلارينت... زياد الرحباني! يبدو مسروراً بآلته الجديدة، فلا يكتفي بإعادة موسيقى المقدمة التي تفصل لاحقاً بين المذهبين الثاني والثالث، بل يتدخل منذ نهاية المقدمة وحتى آخر ثانية في الأغنية، عازفاً الفواصل اللعوبة الراقصة، خارج اللحن في معظم الأحيان وخارج الإيقاع في بعضها.
«دورت ايام الشتي» من كلمات الشاعر الكبير طلال حيدر، يحاكي لحنها ومزاجها أغنية «وحدن» (من توقيع الشاعر ايضاً) وسبق ووردت في فيلم «نهلة» الجزائري (فاروق بلوفة ــ 1978) الذي أدّى فيه زياد شخصيّة ملحّن. وفي التسجيل الجديد، أجريت تعديلات طفيفة على النص الاصلي. أما في ما يخص التوزيع، فنكتفي بالاشارة الى فواصل النحاسيات المفاجئة في المقطع الثاني والمرافقة المرتجلة للبيانو في جمل ظاهرة أحياناً.
وتأتي مقطوعة «عطل وضرر»، الشرقية المزاج، لتجمع التخت الشرقي وآلات أخرى، إضافة الى حضور الناي والكمنجة... وكلارينت زياد في جزء منها. تذكّر هذه الموسيقى بأغنية «ما شاورت حالي» التي غنتها فيروز في بيت الدين (2003). ويضم الشق الثاني من الاسطوانة ثلاث أغنيات هي «حياتي»، «شفتو بعيني» و«طفل صغير». وتجدر الإشارة إلى أنّ 17عازفاً شاركوا في أسطوانة «معلومات أكيدة»، إضافة الى أوركسترا مدينة «يريفان» الأرمنية، وزياد الرحباني (بيانو، بيانو كهربائي، بزق، كلارينت، مزهر، درامز، كيبورد...)، وتم التسجيل في استوديو زياد (NOTTA STUDIO) في بيروت.

لطيفة ـــ «معلومات أكيدة» ـــ أسطوانة CD ـــ «روتانا»